أتم التأدية وأبلغها قال تعالى : « وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ » البقرة : ١٢٤.
وما نقله الله سبحانه في الآيات التالية من صحف إبراهيم وموسى عليهالسلام وإن لم يذكر في القرآن بعنوان أنه من صحفهما قبل هذه الآيات لكنه مذكور بعنوان الحكم والمواعظ والقصص والعبر فمعنى الآيتين : أم لم ينبأ بهذه الأمور وهي في صحف إبراهيم وموسى.
قوله تعالى : « أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى » الوزر الثقل وكثر استعماله في الإثم ، والوازرة النفس التي من شأنها أن تحمل الإثم ، والآية بيان ما في صحف إبراهيم وموسى عليهالسلام ، وكذا سائر الآيات المصدرة بأن وأن إلى تمام سبع عشرة آية.
والمعنى : ما في صحفهما هو أنه لا تحمل نفس إثم نفس أخرى أي لا تتأثم نفس بما لنفس أخرى من الإثم فلا تؤاخذ نفس بإثم نفس أخرى.
قوله تعالى : « وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى » قال الراغب : السعي المشي السريع وهو دون العدو ، ويستعمل للجد في الأمر خيرا كان أو شرا قال تعالى : « وَسَعى فِي خَرابِها ». انتهى واستعماله في الجد في الفعل استعمال استعاري.
ومعنى اللام في قوله : « لِلْإِنْسانِ » الملك الحقيقي الذي يقوم بصاحبه قياما باقيا ببقائه يلازمه ولا يفارقه بالطبع وهو الذي يكتسبه الإنسان بصالح العمل أو طالحه من خير أو شر ، وأما ما يراه الإنسان مملوكا لنفسه وهو في ظرف الاجتماع من مال وبنين وجاه وغير ذلك من زخارف الحياة الدنيا وزينتها فكل ذلك من الملك الاعتباري الوهمي الذي يصاحب الإنسان ما دام في دار الغرور ويودعه عند ما أراد الانتقال إلى دار الخلود وعالم الآخرة.
فالمعنى : وأنه لا يملك الإنسان ملكا يعود إليه أثره من خير أو شر أو نفع أو ضر حقيقة إلا ما جد فيه من عمل فله ما قام بفعله بنفسه وأما ما قام به غيره من عمل فلا يلحق بالإنسان أثره خيرا أو شرا.
وأما الانتفاع من شفاعة الشفعاء يوم القيامة لأهل الكبائر فلهم في ذلك سعي جميل حيث دخلوا في حضيرة الإيمان بالله وآياته ، وكذا استفادة المؤمن بعد موته من استغفار المؤمنين له ، والأعمال الصالحة التي تهدي إليه مثوباتها هي مرتبطة بسعيه في الدخول في زمرة المؤمنين وتكثير سوادهم وتأييد إيمانهم الذي من آثاره ما يأتون به من الأعمال الصالحة.