الدارجة الهالكة أو أخبار يوم القيامة وقد احتمل كل منهما ، والظاهر من تعقيب الآية بأنباء يوم القيامة ثم بأنباء عدة من الأمم الهالكة أن المراد بالأنباء التي فيها مزدجر جميع ذلك.
قوله تعالى : « حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ » الحكمة كلمة الحق التي ينتفع بها ، والبلوغ وصول الشيء إلى ما تنتهي إليه المسافة ويكنى به عن تمام الشيء وكماله فالحكمة البالغة هي الحكمة التامة الكاملة التي لا نقص فيها من حيث نفسها ومن حيث أثرها.
وقوله : « فَما تُغْنِ النُّذُرُ » الفاء فيه فصيحة تفصح عن جملة مقدرة تترتب عليها الكلام ، والنذر جمع نذير بمعنى المنذر أو بمعنى الإنذار والكل صحيح وإن كان الأول أقرب إلى الفهم.
والمعنى : هذا القرآن أو الذي يدعون إليه حكمة بالغة كذبوا بها واتبعوا أهواءهم فما تغني المنذرون أو الإنذارات؟.
قوله تعالى : « فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ » التولي الإعراض والفاء في « فَتَوَلَ » لتفريع الأمر بالتولي على ما تقدمه من وصف حالهم أي إذا كانوا مكذبين بك متبعين أهواءهم لا يغني فيهم النذر ولا تؤثر فيهم الزواجر فتول عنهم ولا تلح عليهم بالدعوة.
وقوله : « يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ » قال الراغب : الإنكار ضد العرفان يقال : أنكرت كذا ونكرت ، وأصله أن يرد على القلب ما لا يتصوره ، وذلك ضرب من الجهل قال تعالى : « فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ ». قال : والنكر الدهاء والأمر الصعب الذي لا يعرف. انتهى.
وقد تم الكلام في قوله : « فَتَوَلَّ عَنْهُمْ » ببيان حالهم تجاه الحكمة البالغة التي ألقيت إليهم والزواجر التي ذكروا بها على سبيل الإنذار ، ثم أعاد سبحانه نبذة من تلك الزواجر التي هي أنباء من حالهم يوم القيامة ومن عاقبة حال الأمم المكذبين من الماضين في لحن العتاب والتوبيخ الشديد الذي تهز قلوبهم للانتباه وتقطع منابت أعذارهم في الإعراض.
فقوله : « يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ » إلخ ، كلام مفصول عما قبله لذكر الزواجر التي أشير إليها سابقا في مقام الجواب عن سؤال مقدر كأنه لما قال : « فَتَوَلَّ عَنْهُمْ » سئل فقيل : فإلى م يئول أمرهم؟ فقيل : « يَوْمَ يَدْعُ » إلخ ، أي هذه حال آخرتهم وتلك عاقبة دنيا أشياعهم وأمثالهم من قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم ، وليسوا خيرا منهم.
وعلى هذا فالظرف في « يَوْمَ يَدْعُ » متعلق بما سيأتي من قوله : « يَخْرُجُونَ » والمعنى :