آية قد وقعت للدلالة على الحق والصدق وتأتي لهم أن يرموها عنادا بأنها سحر.
ومثله في السقوط ما قيل : إن الآية إشارة إلى ما ذهب إليه الرياضيون أخيرا أن القمر قطعة من الأرض كما أن الأرض جزء منفصل من الشمس فقوله : « وَانْشَقَّ الْقَمَرُ » إشارة إلى حقيقة علمية لم ينكشف يوم النزول بعد.
وذلك أن هذه النظرية على تقدير صحتها لا يلائمها قوله : « وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ » إذ لم ينقل عن أحد أنه قال للقمر : هو سحر مستمر.
على أن انفصال القمر عن الأرض اشتقاق والذي في الآية الكريمة انشقاق ، ولا يطلق الانشقاق إلا على تقطع الشيء في نفسه قطعتين دون انفصاله من شيء بعد ما كان جزء منه.
ومثله في السقوط ما قيل : إن معنى انشقاق القمر انكشاف الظلمة عند طلوعه وكذا ما قيل : إن انشقاق القمر كناية عن ظهور الأمر ووضوح الحق.
والآية لا تخلو من إشعار بأن انشقاق القمر من لوازم اقتراب الساعة.
قوله تعالى : « وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ » الاستمرار من الشيء مرور منه بعد مرور مرة بعد مرة ، ولذا يطلق على الدوام والاطراد فقولهم : سحر مستمر أي سحر بعد سحر مداوما.
وقوله : « آيَةً » نكرة في سياق الشرط فتفيد العموم ، والمعنى وكل آية يشاهدونها يقولون فيها أنها سحر بعد سحر ، وفسر بعضهم المستمر بالمحكم الموثق ، وبعضهم بالذاهب الزائل ، وبعضهم بالمستبشع المنفور ، وهي معان بعيدة.
قوله تعالى : « وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ » متعلق التكذيب بقرينة ذيل الآية هو النبي صلىاللهعليهوآله وما أتى به من الآيات أي وكذبوا بالنبي صلىاللهعليهوآله وما أتى به من الآيات والحال أن كل أمر مستقر سيستقر في مستقره فيعلم أنه حق أو باطل وصدق أو كذب فسيعلمون أن النبي صلىاللهعليهوآله صادق أو كاذب ، على الحق أو لا فقوله : « وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ » في معنى قوله : « وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ » ص : ٨٨.
وقيل متعلق التكذيب انشقاق القمر والمعنى : وكذبوا بانشقاق القمر واتبعوا أهواءهم ، وجملة « وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ » لا تلائمه تلك الملاءمة.
قوله تعالى : « لَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ » المزدجر مصدر ميمي وهو الاتعاظ ، وقوله : « مِنَ الْأَنْباءِ » بيان لما فيه مزدجر ، والمراد بالأنباء أخبار الأمم