قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

الميزان في تفسير القرآن [ ج ١٩ ]

61/407
*

نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً » إسراء : ٥٩ فإن مفاد الآية إما أنا لا نرسل بالآيات إلى هذه الأمة لأن الأمم السابقة كذبوا بها وهؤلاء يماثلونهم في طباعهم فيكذبون بها ، ولا فائدة في الإرسال مع عدم ترتب أثر عليه أو المفاد أنا لا نرسل بها لأنا أرسلنا إلى أوليهم فكذبوا بها فعذبوا وأهلكوا ولو أرسلنا إلى هؤلاء لكذبوا بها وعذبوا عذاب الاستئصال لكنا لا نريد أن نعاجلهم بالعذاب ، وعلى أي حال لا يرسل بالآيات إلى هذه الأمة كما كانت ترسل إلى الأمم الدارجة.

نعم هذا في الآيات المرسلة باقتراح من الناس دون الآيات التي تؤيد بها الرسالة كالقرآن المؤيد لرسالة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وكآيتي العصا واليد لموسى عليه‌السلام وآية إحياء الموتى وغيرها لعيسى عليه‌السلام ، وكذا الآيات النازلة لطفا منه سبحانه كالخوارق الصادرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لا عن اقتراح منهم.

ومثل الآية السابقة قوله تعالى : « وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً ـ إلى أن قال ـ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً » إسراء : ٩٣ وغير ذلك من الآيات.

والجواب عن هذا الاعتراض يحتاج إلى تقديم مقدمة هي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث رسولا إلى أهل الدنيا كافة بنبوة خاتمة كما يدل عليه قوله تعالى : « قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً » الأعراف : ١٥٨ ، وقوله : « وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ » الأنعام : ١٩ ، وقوله : « وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ » الأحزاب : ٤٠ إلى غير ذلك من الآيات.

وقد بدأ صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو بمكة بدعوة قومه من أهل مكة وحواليها فقابلوه بما استطاعوا من الشقاق والإيذاء والاستهزاء وهموا بإخراجه أو إثباته أو قتله حتى أمره ربه بالهجرة غير أنه آمن به وهو بمكة جمع كثير منهم وإن كانت عامتهم على الكفر والمؤمنون وإن كانوا قليلين بالنسبة إلى المشركين مضطهدين مفتنين لكنهم كانوا في أنفسهم جمعا ذا عدد كما يدل عليه قوله تعالى : « أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ » النساء : ٧٧ فقد استجازوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يقاتلوا المشركين فلم يأذن الله لهم في ذلك على ما روي في سبب نزول الآية وهذا يدل على أنهم كانوا ذوي عدة وعدة في الجملة ولم يزالوا يزيدون جمعا.