ثم هاجر صلىاللهعليهوآله إلى المدينة وبسط هنالك الدعوة ونشر الإسلام فيها وفي حواليها وفي القبائل وفي اليمن وسائر أقطار الجزيرة ما عدا مكة وحواليها ثم بسط الدعوة على غير الجزيرة فكاتب الملوك والعظماء من فارس والروم ومصر سنة ست من الهجرة ثم فتح مكة سنة ثمان من الهجرة وقد أسلم ما بين الهجرة والفتح جمع من أهلها وحواليها.
ثم ارتحل صلىاللهعليهوآله وكان من انتشار الإسلام ما كان ، ولم يزل الإسلام يزيد جمعا وينتشر صيتا إلى يومنا هذا وقد بلغوا خمس أهل الأرض عددا.
إذا تمهد هذا فنقول : كانت آية انشقاق القمر آية اقتراحية تستعقب العذاب لو كذبوا بها وقد كذبوا وقالوا سحر مستمر وما كان الله ليهلك بها جميع من أرسل إليهم النبي صلىاللهعليهوآله وهم أهل الأرض جميعا لعدم تمام الحجة عليهم يومئذ وقد كان الانشقاق سنة خمس قبل الهجرة، وقد قال تعالى : « لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ » الأنفال : ٤٢.
وما كان الله ليهلك جميع أهل مكة وحواليها خاصة وبينهم جمع من المسلمين كما قال تعالى : « وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً » الفتح : ٢٥.
وما كان الله سبحانه لينجي المؤمنين ويهلك كفارهم وقد آمن جمع كثير منهم فيما بين سنة خمس قبل الهجرة وسنة ثمان بعد الهجرة عام فتح مكة ثم آمنت عامتهم يوم الفتح والإسلام كان يكتفي منهم بظاهر الشهادتين.
ولم تكن عامة أهل مكة وحواليها أهل عناد وجحود وإنما كان أهل الجحود والعناد عظماؤهم وصناديدهم المستهزئين بالنبي صلىاللهعليهوآله المعذبين للمؤمنين، المقترحين عليه بالآيات وهم الذين يقول تعالى فيهم : « إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ » البقرة : ٦ ، وقد أوعد الله هؤلاء الجاحدين المقترحين بتحريم الإيمان والهلاك في مواضع من كلامه فلم يؤمنوا وأهلكهم الله يوم بدر وتمت كلمة الرب صدقا وعدلا.
وأما التمسك لنفي إرسال الآيات مطلقا بقوله تعالى : « وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ » فالآية لا تشمل قطعا الآيات المؤيدة للرسالة كالقرآن المؤيد لرسالة النبي صلىاللهعليهوآله ، وكذا الآيات النازلة لطفا كالخوارق الصادرة عن النبي صلىاللهعليهوآله من الإخبار بالمغيبات وشفاء المرضى بدعائه وغير ذلك.
فلو كانت مطلقة فإنما تشمل الآيات الاقتراحية وتفيد أن الله سبحانه لم يرسل الآيات