التي اقترحتها قريش ـ أو لم (١) يرسل النبي صلىاللهعليهوآله بالآيات التي اقترحوها ـ لأن الأمم السابقة كذبوا بها وطباع هؤلاء المقترحين طباعهم يكذبون بها ولازمها نزول العذاب والله لا يريد أن يعذبهم عاجلا.
وقد أوضح سبحانه سبب عدم معاجلتهم بالعذاب بقوله : « وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ » الأنفال : ٣٣ ، واستبان بذلك أن المانع من عذابهم وجود الرسول فيهم كما يفيده أيضا قوله تعالى : « وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً » إسراء : ٧٦.
ثم قال تعالى : « وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ » الأنفال : ٣٥ والآيات نزلت عقيب غزوة بدر.
والآيات تبين أنه لم يكن من قبلهم مانع من نزول العذاب غير وجود النبي صلىاللهعليهوآله بينهم فإذا زال المانع بخروجه من بينهم فليذوقوا العذاب وهو ما أصابهم في وقعة بدر من القتل الذريع.
وبالجملة كان المانع من إرسال الآيات تكذيب الأولين ومماثلتهم لهم في خصيصة التكذيب ووجود النبي صلىاللهعليهوآله بينهم المانع من معاجلة العذاب فإذا وجد مقتض للعذاب كالصد والمكاء والتصدية وزال أحد ركني المانع وهو كونه صلىاللهعليهوآله فيهم فلا مانع من العذاب ولا مانع من نزول الآية وإرسالها ليحق عليهم القول فيعذبوا بسبب تكذيبهم لها وبسبب مقتضيات أخر كالصد ونحوه.
فتحصل أن قوله تعالى : « وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ » إلخ ، إنما يفيد الإمساك عن إرسال الآيات ما دام النبي صلىاللهعليهوآله فيهم وأما إرسالها وتأخير العذاب إلى خروجه من بينهم فلا دلالة فيه عليه وقد صرح سبحانه بأن وقعة بدر كانت آية وما أصابهم فيها كان عذابا ، وكذا لو كان مفاد الآية هو الامتناع عن الإرسال لكونه لغوا بسبب كونهم مجبولين على التكذيب فإن إرسالها مع تأخير العذاب والنكال إلى خروج النبي صلىاللهعليهوآله من
__________________
(١) أول شقي الترديد مبني على كون الباء في قوله : « نرسل بالآيات » زائدة والآيات مفعول نرسل ، والثاني مبني على كونها بمعنى المصاحبة والمفعول محذوفا.