قوله تعالى : « إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ » جمع سعير وهي النار المسعرة وفي الآية تعليل لما قبلها من قوله : « وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ » ، والمعنى : إنما كانت الساعة أدهى وأمر لهم لأنهم مجرمون والمجرمون في ضلال عن موطن السعادة وهو الجنة ونيران مسعرة.
قوله تعالى : « يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ » السحب جر الإنسان على وجهه ، و « يَوْمَ » ظرف لقوله : « فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ » ، و « سَقَرَ » من أسماء جهنم ومسها هو إصابتها لهم بحرها وعذابها.
والمعنى : كونهم في ضلال وسعر في يوم يجرون في النار على وجوههم يقال لهم : ذوقوا ما تصيبكم جهنم بحرها وعذابها.
قوله تعالى : « إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ » « كُلَّ شَيْءٍ » منصوب بفعل مقدر يدل عليه « خَلَقْناهُ » والتقدير خلقنا كل شيء خلقناه ، و « بِقَدَرٍ » متعلق بقوله : « خَلَقْناهُ » والباء للمصاحبة ، والمعنى : أنا خلقنا كل شيء مصاحبا لقدر.
وقدر الشيء هو المقدار الذي لا يتعداه والحد والهندسة التي لا يتجاوزه في شيء من جانبي الزيادة والنقيصة ، قال تعالى : « وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ » الحجر : ٢١ ، فلكل شيء حد محدود في خلقه لا يتعداه وصراط ممدود في وجوده يسلكه ولا يتخطاه.
والآية في مقام التعليل لما في الآيتين السابقتين من عذاب المجرمين يوم القيامة كأنه قيل : لما ذا جوزي المجرمون بالضلال والسعر يوم القيامة وأذيقوا مس سقر؟ فأجيب بقوله : « إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ » ومحصله أن لكل شيء قدرا ومن القدر في الإنسان أن الله سبحانه خلقه نوعا متكاثر الأفراد بالتناسل اجتماعيا في حياته الدنيا يتزود من حياته الدنيا الداثرة لحياته الآخرة الباقية ، وقدر أن يرسل إليهم رسولا يدعوهم إلى سعادة الدنيا والآخرة فمن استجاب الدعوة فاز بالسعادة ودخل الجنة وجاور ربه ، ومن ردها وأجرم فهو في ضلال وسعر.
ومن الخطإ أن يقال : إن الجواب عن السؤال بهذا النحو من المصادرة الممنوعة في الاحتجاج فإن السؤال عن مجازاته تعالى إياهم بالنار لإجرامهم في معنى السؤال عن تقديره ذلك ، فمعنى السؤال : لم قدر الله للمجرمين المجازاة بالنار؟ ومعنى الجواب : أن الله قدر للمجرمين المجازاة بالنار ، أو معنى السؤال : لم يدخلهم الله النار؟ ومعنى الجواب : أن