والإنسان إلى الرزق المسئول بلسان حاجتها بأنه سميع عليم أي أنه خلق كل شيء والحال أن مسائلهم مسموعة له وأحوالهم معلومة عنده وهما صفتا فعله العام ، وقوله : « فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ » البقرة : ٣٧ ، يعلل توبته على آدم بأنه تواب رحيم أي صفة فعله هي التوبة والرحمة.
الثالث : تعليل فعله الخاص بفعله العام ومرجعه في الحقيقة إلى الوجه الثاني كقوله : « إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ ـ إلى أن قال ـ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ » فإن القدر وهو كون الشيء محدودا لا يتخطى حده في مسير وجوده فعل عام له تعالى لا يخلو عنه شيء من الخلق فتعليل العذاب بالقدر من تعليل فعله الخاص بفعله العام وبيان أنه مصداق من مصاديق القدر إذ كان من المقدر في الإنسان أن لو أجرم برد دعوة النبوة عذب ودخل النار يوم القيامة ، وكقوله : « وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا » مريم : ٧١ ، يعلل الورود بالقضاء وهو فعل له عام والورود خاص بالنسبة إليه.
فتبين أن ما في كلامه من تعليل فعل من أفعاله إنما هو من تعليل الفعل الخاص بصفته العامة والعلة علة للإثبات لا للثبوت ، وليس من المصادرة في شيء.
قوله تعالى : « وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ » قال في المجمع : اللمح النظر بالعجلة وهو خطف البصر. انتهى.
والمراد بالأمر ما يقابل النهي لكنه الأمر التكويني بإرادة وجود الشيء ، قال تعالى : « إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ » يس : ٨٢ فهو كلمة كن ولعله لكونه كلمة اعتبر الخبر مؤنثا فقيل : « إِلَّا واحِدَةٌ ».
والذي يفيده السياق أن المراد بكون الأمر واحدة أنه لا يحتاج في مضيه وتحقق متعلقه إلى تعدد وتكرار بل أمر واحد بإلقاء كلمة كن يتحقق به المتعلق المراد كلمح بالبصر من غير تأن ومهل حتى يحتاج إلى الأمر ثانيا وثالثا.
وتشبيه الأمر من حيث تحقق متعلقه بلمح بالبصر لا لإفادة أن زمان تأثيره قصير كزمان تحقق اللمح بالبصر بل لإفادة أنه لا يحتاج في تأثيره إلى مضي زمان ولو كان قصيرا فإن التشبيه باللمح بالبصر في الكلام يكنى به عن ذلك ، فأمره تعالى وهو إيجاده وإرادة وجوده لا يحتاج في تحققه إلى زمان ولا مكان ولا حركة كيف لا؟ ونفس الزمان والمكان والحركة إنما تحققت بأمره تعالى.