والآية وإن كانت بحسب مؤداها في نفسها تعطي حقيقة عامة في خلق الأشياء وأن وجودها من حيث إنه فعل الله سبحانه كلمح بالبصر وإن كان من حيث إنه وجود لشيء كذا تدريجيا حاصلا شيئا فشيئا.
إلا أنها بحسب وقوعها في سياق إيعاد الكفار بعذاب يوم القيامة ناظرة إلى إتيان الساعة وأن أمرا واحدا منه تعالى يكفي في قيام الساعة وتجديد الخلق بالبعث والنشور فتكون متممة لما أقيم من الحجة بقوله : « إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ ».
فيكون مفاد الآية الأولى أن عذابهم بالنار على وفق الحكمة ولا محيص عنه بحسب الإرادة الإلهية لأنه من القدر ، ومفاد هذه الآية أن تحقق الساعة التي يعذبون فيها بمضي هذه الإرادة وتحقق متعلقها لا مئونة فيه عليه سبحانه لأنه يكفي فيه أمر واحد منه تعالى كلمح بالبصر.
قوله تعالى : « وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ » الأشياع جمع شيعة والمراد ـ كما قيل ـ الأشباه والأمثال في الكفر وتكذيب الأنبياء من الأمم الماضية.
والمراد بالآية والآيتين بعدها تأكيد الحجة السابقة التي أقيمت على شمول العذاب لهم لا محالة.
ومحصل المعنى : أن ليس ما أنذرناكم به من عذاب الدنيا وعذاب الساعة مجرد خبر أخبرناكم به ولا قول ألقيناه إليكم فهذه أشياعكم من الأمم الماضية شرع فيهم بذلك فقد أهلكناهم وهو عذابهم في الدنيا وسيلقون عذاب الآخرة فإن أعمالهم مكتوبة مضبوطة في كتب محفوظة عندنا سنحاسبهم بها ونجازيهم بما عملوا.
قوله تعالى : « وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ » الزبر كتب الأعمال وتفسيره باللوح المحفوظ سخيف ، والمراد بالصغير والكبير صغير الأعمال وكبيرها على ما يفيده السياق.
قوله تعالى : « إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ » أي في جنات عظيمة الشأن بالغة الوصف ونهر كذلك ، قيل : المراد بالنهر الجنس ، وقيل : النهر بمعنى السعة.
قوله تعالى : « فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ » المقعد المجلس ، المليك صيغة مبالغة للملك على ما قيل ، وليس من إشباع كسر لام الملك ، والمقتدر القادر العظيم القدرة وهو الله سبحانه.