والمراد بالصدق صدق المتقين في إيمانهم وعملهم أضيف إليه المقعد لملابسة ما ويمكن أن يراد به كون مقامهم وما لهم فيه صدقا لا يشوبه كذب فلهم حضور لا غيبة معه ، وقرب لا بعد معه ، ونعمة لا نقمة معها ، وسرور لا غم معه ، وبقاء لا فناء معه.
ويمكن أن يراد به صدق هذا الخبر من حيث إنه تبشير ووعد جميل للمتقين ، وعلى هذا ففيه نوع مقابلة بين وصف عاقبة المتقين والمجرمين حيث أوعد المجرمون بالعذاب والضلال وقرر ذلك بأنه من القدر ولن يتخلف ، ووعد المتقون بالثواب والحضور عند ربهم المليك المقتدر وقرر ذلك بأنه صدق لا كذب فيه.
( بحث روائي )
في كمال الدين ، بإسناده إلى علي بن سالم عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سألته عن الرقى أتدفع من القدر شيئا؟ فقال : هي من القدر.
وقال : إن القدرية مجوس هذه الأمة ـ وهم الذين أرادوا أن يصفوا الله بعدله ـ فأخرجوه من سلطانه وفيهم نزلت هذه الآية : « يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ـ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ ».
أقول : المراد بالقدرية النافون للقدر وهم المعتزلة القائلون بالتفويض ، وقوله : إنهم مجوس هذه الأمة ذلك لقولهم : إن خالق الأفعال الاختيارية هو الإنسان والله خالق لما وراء ذلك فأثبتوا إلهين اثنين كما أثبتت المجوس إلهين اثنين : خالق الخير وخالق الشر.
وقوله : أرادوا أن يصفوا الله بعدله فأخرجوه من سلطانه ، وذلك أنهم قالوا بخلق الإنسان لأفعاله فرارا عن القول بالجبر المنافي للعدل فأخرجوا الله من سلطانه على أعمال عباده بقطع نسبتها عنه تعالى.
وقوله : وفيهم نزلت هذه الآية ، إلخ ، المراد به جري الآيات فيهم دون كونهم سببا للنزول وموردا له لما عرفت في تفسير الآيات من كونها عامة بحسب السياق ، وفي نزول الآيات فيهم روايات أخرى مروية عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهالسلام ، ومن طرق أهل السنة أيضا روايات في هذا المعنى عن ابن عباس وابن عمر ومحمد بن كعب وغيرهم.
وفي الدر المنثور ، أخرج أحمد عن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : إن لكل أمة مجوسا ـ وإن مجوس هذه الأمة الذين يقولون : لا قدر. الخبر.