يلقى إليه المعنى ثم إلى وضع الخط بجعل الأشكال المخصوصة علائم للألفاظ فالخط مكمل لغرض الكلام ، وهو يمثل الكلام كما أن الكلام يمثل المعنى.
وبالجملة البيان من أعظم النعم والآلاء الربانية التي تحفظ لنوع الإنسان موقفه الإنساني وتهديه إلى كل خير.
هذا ما هو الظاهر المتبادر من الآيتين ، ولهم في معناهما أقوال : فقيل : الإنسان هو آدم عليهالسلام والبيان الأسماء التي علمه الله إياها ، وقيل : الإنسان محمد صلىاللهعليهوآله والبيان القرآن أو تعليمه المؤمنين القرآن ، وقيل : البيان الخير والشر علمهما الإنسان ، وقيل : سبيل الهدى وسبيل الضلال إلى غير ذلك وهي أقوال بعيدة عن الفهم.
قوله تعالى : « الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ » الحسبان مصدر بمعنى الحساب ، والشمس مبتدأ والقمر معطوف عليه ، وبحسبان خبره ، والجملة خبر بعد خبر لقوله : « الرَّحْمنُ » والتقدير الشمس والقمر يجريان بحساب منه على ما قدر لهما من نوع الجري.
قوله تعالى : « وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ » قالوا : المراد بالنجم ما ينجم من النبات ويطلع من الأرض ولا ساق له ، والشجر ما له ساق من النبات ، وهو معنى حسن يؤيده الجمع والقرن بين النجم والشجر وإن كان ربما أوهم سبق ذكر الشمس والقمر كون المراد بالنجم هو الكواكب.
وسجود النجم والشجر انقيادهما للأمر الإلهي بالنشوء والنمو على حسب ما قدر لهما كما قيل ، وأدق منه أنهما يضربان في التراب بأصولهما وأعراقهما لجذب ما يحتاجان إليه من المواد العنصرية التي يغتذيان بها وهذا السقوط على الأرض إظهارا للحاجة إلى المبدأ الذي يقضي حاجتهما ـ وهو في الحقيقة الله الذي يربيهما كذلك ـ سجود منهما له تعالى.
والكلام في إعراب قوله : « وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ » وهو معطوف على الآية السابقة كالكلام في قوله : « الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ » والتقدير والنجم والشجر يسجدان له.
قال في الكشاف : فإن قلت : كيف اتصلت هاتان الجملتان بالرحمن يعني قوله : « الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ـ إلى قوله ـ يَسْجُدانِ »؟ قلت : استغني فيهما عن الوصل اللفظي بالوصل المعنوي لما علم أن الحسبان حسبانه والسجود له لا لغيره.
وقال في وجه إخلاء الآيات السابقة خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ ـ عن العاطف ما محصله أن هذه الجمل الأول واردة على سنن التعديد ليكون كل