واحدة من الجمل مستقلة في تفريع الذين أنكروا الرحمن وآلاءه كما يبكت منكر أيادي المنعم عليه من الناس بتعديدها عليه فيقال : زيد أغناك بعد فقر ، أعزك بعد ذل ، كثرك بعد قلة ، فعل بك ما لم يفعل أحد بأحد فما تنكر من إحسانه؟.
ثم رد الكلام إلى منهاجه بعد التبكيت في وصل ما يحب وصله للتناسب والتقارب بالعاطف فقيل : « وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ وَالسَّماءَ رَفَعَها » إلخ ، انتهى.
قوله تعالى : « وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ » المراد بالسماء إن كان جهة العلو فرفعها خلقها مرفوعة لا رفعها بعد خلقها وإن كان ما في جهة العلو من الأجرام فرفعها تقدير محالها بحيث تكون مرفوعة بالنسبة إلى الأرض بالفتق بعد الرتق كما قال تعالى : « أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما » الأنبياء : ٣٠ ، والرفع على أي حال رفع حسي.
وإن كان المراد ما يشمل منازل الملائكة الكرام ومصادر الأمر الإلهي والوحي فالرفع معنوي أو ما يشمل الحسي والمعنوي.
وقوله : « وَوَضَعَ الْمِيزانَ » المراد بالميزان كل ما يوزن أي يقدر به الشيء أعم من أن يكون عقيدة أو قولا أو فعلا ومن مصاديقه الميزان الذي يوزن به الأثقال ، قال تعالى : « لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ » الحديد : ٢٥.
فظاهره مطلق ما يميز به الحق من الباطل والصدق من الكذب والعدل من الظلم والفضيلة من الرذيلة على ما هو شأن الرسول أن يأتي به من عند ربه.
وقيل : المراد بالميزان العدل أي وضع الله العدل بينكم لتسووا به بين الأشياء بإعطاء كل ذي حق حقه.
وقيل : المراد الميزان الذي يوزن به الأثقال والمعنى الأول أوسع وأشمل.
قوله تعالى : « أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ » الظاهر أن المراد بالميزان الميزان المعروف وهو ميزان الأثقال ، فقوله : « أَلَّا تَطْغَوْا » إلخ على تقدير أن يراد بالميزان في الآية السابقة أيضا ميزان الأثقال ، وهو بيان وضع الميزان ، والمعنى أن معنى وضعنا الميزان بينكم هو أن اعدلوا في وزن الأثقال ولا تطغوا فيه.