وجواب القسم محذوف يدل عليه الآيات التالية ، والتقدير ليبعثن ، وإنما حذف للدلالة على تفخيم اليوم وعظمة أمره قال تعالى : « ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً » الأعراف ١٨٧ وقال : « إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى » طه ١٥ وقال : « عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ » النبأ : ١.
قوله تعالى : « أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ » الحسبان الظن ، وجمع العظام كناية عن الإحياء بعد الموت ، والاستفهام للتوبيخ ، والمعنى ظاهر.
قوله تعالى : « بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ » أي بلى نجمعها و « قادِرِينَ » حال من فاعل مدخول بلى المقدر ، والبنان أطراف الأصابع وقيل : الأصابع وتسوية البنان تصويرها على ما هي عليها من الصور ، والمعنى بلى نجمعها والحال أنا قادرون على أن نصور بنانه على صورها التي هي عليها بحسب خلقنا الأول.
وتخصيص البنان بالذكر ـ لعله ـ للإشارة إلى عجيب خلقها بما لها من الصور وخصوصيات التركيب والعدد تترتب عليها فوائد جمة لا تكاد تحصى من أنواع القبض والبسط والأخذ والرد وسائر الحركات اللطيفة والأعمال الدقيقة والصنائع الظريفة التي يمتاز بها الإنسان من سائر الحيوان مضافا إلى ما عليها من الهيئات والخطوط التي لا يزال ينكشف للإنسان منها سر بعد سر.
وقيل : المراد بتسوية البنان جعل أصابع اليدين والرجلين مستوية شيئا واحدا من غير تفريق كخف البعير وحافر الحمار ، والمعنى قادرين على أن نجعلها شيئا واحدا فلا يقدر الإنسان حينئذ على ما يقدر عليه مع تعدد الأصابع من فنون الأعمال ، والوجه المتقدم أرجح.
قوله تعالى : « بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ » قال الراغب : الفجر شق الشيء شقا واسعا. قال : والفجور شق ستر الديانة يقال : فجر فجورا فهو فاجر وجمعه فجار وفجرة. انتهى ، وأمام ظرف مكان أستعير لمستقبل الزمان ، والمراد من فجوره أمامه فجوره مدى عمره وما دام حيا ، وضمير « أَمامَهُ » للإنسان.
وقوله : « لِيَفْجُرَ أَمامَهُ » تعليل ساد مسد معلله وهو التكذيب بالبعث والإحياء بعد الموت ، و « بَلْ » إضراب عن حسبانه عدم البعث والإحياء بعد الموت.