والمعنى : أنه لا يحسب أن لن نجمع عظامه بل يريد أن يكذب بالبعث ليفجر مدى عمره إذ لا موجب للإيمان والتقوى لو لم يكن هناك بعث للحساب والجزاء.
هذا ما يعطيه السياق في معنى الآية ، ولهم وجوه أخر ذكروها في معنى الآية بعيدة لا تلائم السياق أغمضنا عن ذكرها.
وذكر الإنسان في الآية من وضع الظاهر موضع الضمير والنكتة فيه زيادة التوبيخ والمبالغة في التقريع ، وقد كرر ذلك في الآية وما يتلوها من الآيات أربع مرات.
قوله تعالى : « يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ » الظاهر أنه بيان لقوله : « بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ » فيفيد التعليل وأن السائل في مقام التكذيب والسؤال سؤال تكذيب إذ من الواجب على من دعي إلى الإيمان والتقوى ، وأنذر بهذا النبإ العظيم مع دلالة الآيات البينة وقيام الحجج القاطعة أن يتخذ حذره ويتجهز بالإيمان والتقوى ويتهيأ للقاء اليوم قريبا كان أو بعيدا فكل ما هو آت قريب لا أن يسأل متى تقوم الساعة؟ وأيان يوم القيامة؟ فليس إلا سؤال مكذب مستهزئ.
قوله تعالى : « فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ » ذكر جملة من أشراط الساعة ، وبريق البصر تحيره في إبصاره ودهشته ، وخسوف القمر زوال نوره.
قوله تعالى : « يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ » أي أين موضع الفرار ، وقوله : « أَيْنَ الْمَفَرُّ » مع ظهور السلطنة الإلهية له وعلمه بأن لا مفر ولا فرار يومئذ من باب ظهور ملكاته يومئذ فقد كان في الدنيا يسأل عن المفر إذا وقع في شدة أو هددته مهلكة وذلك كإنكارهم الشرك يومئذ وحلفهم كذبا قال تعالى : « ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ » الأنعام : ٢٣ ، وقال : « يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ » المجادلة : ١٨.
قوله تعالى : « كَلَّا لا وَزَرَ » ردع عن طلبهم المفر ، والوزر الملجأ من جبل أو حصن أو غيرهما ، وهو من كلامه تعالى لا من تمام كلام الإنسان.
قوله تعالى : « إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ » الخطاب للنبي صلىاللهعليهوآله ، وتقديم « إِلى رَبِّكَ » وهو متعلق بقوله : « الْمُسْتَقَرُّ » يفيد الحصر فلا مستقر إلى غيره فلا وزر ولا ملجأ يلتجأ إليه فيمنع عنه.