إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

الميزان في تفسير القرآن [ ج ٢٠ ]

106/399
*

وذلك أن الإنسان سائر إليه تعالى كما قال : « يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ » الانشقاق : ٦ وقال : « إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى » العلق : ٨ وقال : « وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى » النجم : ٤٢ ، فهو ملاقي ربه راجع ومنته إليه لا حاجب يحجبه عنه ولا مانع يمنعه منه وأما الحجاب الذي يشير إليه قوله : « كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ » المطففين : ١٥ فسياق الآيتين يعطي أن المراد به حجاب الحرمان من الكرامة لا حجاب الجهل أو الغيبة.

ويمكن أن يكون المراد بكون مستقره إليه رجوع أمر ما يستقر فيه من سعادة أو شقاوة وجنة أو نار إلى مشيته تعالى فمن شاء جعله في الجنة وهم المتقون ومن شاء جعله في النار وهم المجرمون قال تعالى : « يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ » المائدة : ٤٠.

ويمكن أن يراد به أن استقرارهم يومئذ إلى حكمه تعالى فهو النافذ فيهم لا غير قال تعالى : « كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ » القصص : ٨٨.

قوله تعالى : « يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ » المراد بما قدم وأخر ما عمله من حسنة أو سيئة في أول عمره وآخره أو ما قدمه على موته من حسنة أو سيئة وما أخر من سنة حسنة سنها أو سنة سيئة فيثاب بالحسنات ويعاقب على السيئات.

وقيل : المراد بما قدم ما عمله من حسنة أو سيئة فيثاب على الأول ويعاقب على الثاني ، وبما أخر ما تركه من حسنة أو سيئة فيعاقب على الأول ويثاب على الثاني ، وقيل ، المراد ما قدم من المعاصي وما أخر من الطاعات ، وقيل ، ما قدم من طاعة الله وأخر من حقه فضيعه ، وقيل : ما قدم من ماله لنفسه وما ترك لورثته وهي وجوه ضعيفة بعيدة عن الفهم.

قوله تعالى : « بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ » إضراب عن قوله ، « يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ » إلخ ، والبصيرة رؤية القلب والإدراك الباطني وإطلاقها على الإنسان من باب زيد عدل أو التقدير الإنسان ذو بصيرة على نفسه.

وقيل : المراد بالبصيرة الحجة كما في قوله تعالى ، « ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ » إسراء ، ١٠٢ والإنسان نفسه حجة على نفسه يومئذ حيث يسأل عن سمعه وبصره وفؤاده ويشهد عليه سمعه وبصره وجلده ويتكلم يداه ورجلاه ، قال تعالى :