معلوم ينفقونه للفقراء ، والسائل هو الفقير الذي يسأل ، والمحروم الفقير الذي يتعفف ولا يسأل والسياق لا يخلو من تأييده فإن للزكاة موارد مسماة في قوله : « إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ » التوبة ٦٠ وليست مختصة بالسائل والمحروم على ما هو ظاهر الآية.
قوله تعالى : « وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ » الذي يفيده سياق عد الأعمال الصالحة أن المراد بتصديقهم يوم الدين التصديق العملي دون التصديق الاعتقادي وذلك بأن تكون سيرتهم في الحياة سيرة من يرى أن ما يأتي به من عمل سيحاسب عليه فيجازي به إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا.
وفي التعبير بقوله : « يُصَدِّقُونَ » دلالة على الاستمرار فهو المراقبة الدائمة بذكره تعالى عند كل عمل يواجهونه فيأتون بما يريده ويتركون ما يكرهه.
قوله تعالى : « وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ » أي خائفون ، والكلام في إشفاقهم من عذاب ربهم نظير الكلام في تصديقهم بيوم الدين فهو الإشفاق العملي الظاهر من حالهم.
ولازم إشفاقهم من عذاب ربهم مع لزومهم الأعمال الصالحة ومجاهدتهم في الله أن لا يثقوا بما يأتون به من الأعمال الصالحة ولا يأمنوا عذاب الله فإن الأمن لا يجامع الخوف.
والملاك في الإشفاق من العذاب أن العذاب على المخالفة فلا منجى منه إلا بالطاعة من النفس ولا ثقة بالنفس إذ لا قدرة لها في ذاتها إلا ما أقدرها الله عليه والله سبحانه مالك غير مملوك ، قال تعالى : « قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً » المائدة ١٧.
على أن الله سبحانه وإن وعد أهل الطاعة النجاة وذكر أنه لا يخلف الميعاد لكن الوعد لا يقيد إطلاق قدرته فهو مع ذلك قادر على ما يريد ومشيته نافذة فلا أمن بمعنى انتفاء القدرة على ما يخالف الوعد فالخوف على حاله ولذلك نرى أنه تعالى يقول في ملائكته : « يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ » فيصفهم بالخوف وهو يصرح بعصمتهم ، ويقول في أنبيائه : « وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ » الأحزاب : ٣٩ ، ويصف المؤمنين في هذه الآية بالإشفاق وهو يعدهم في آخر الآيات بقول جازم فيقول : « أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ ».
قوله تعالى : « إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ » تعليل لإشفاقهم من عذاب ربهم فيتبين به أنهم مصيبون في إشفاقهم من العذاب وقد تقدم وجهه.