والمعنى في أي شيء أنت من كثرة ذكر الساعة أي ما ذا يحصل لك من العلم بوقتها من ناحية كثرة ذكرها وبسبب ذلك أي لست تعلمها بكثرة ذكرها.
أو الذكرى بمعنى حضور حقيقة معنى الشيء في القلب ، والمعنى ـ على الاستفهام الإنكاري ـ لست في شيء من العلم بحقيقتها وما هي عليه حتى تحيط بوقتها وهو أنسب من المعنى السابق.
وقيل : المعنى ليس ذكراها مما يرتبط ببعثتك إنما بعثت لتنذر من يخشاها.
وقيل : « فِيمَ » إنكار لسؤالهم ، وقوله : « أَنْتَ مِنْ ذِكْراها » استئناف وتعليل لإنكار سؤالهم ، والمعنى فيم هذا السؤال إنما أنت من ذكرى الساعة لاتصال بعثتك بها وأنت خاتم الأنبياء ، وهذا المقدار من العلم يكفيهم ، وهو قوله صلىاللهعليهوآله فيما روي : « بعثت أنا والساعة كهاتين إن كادت لتسبقني ».
وقيل : الآية من تمام سؤال المشركين خاطبوا به النبي صلىاللهعليهوآله والمعنى ما الذي عندك من العلم بها وبوقتها؟ أو ما الذي حصل لك وأنت تكثر ذكرها.
وأنت خبير بأن السياق لا يلائم شيئا من هذه المعاني تلك الملاءمة ، على أنها أو أكثرها لا تخلو من تكلف.
قوله تعالى : « إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها » في مقام التعليل لقوله : « فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها » والمعنى لست تعلم وقتها لأن انتهاءها إلى ربك فلا يعلم حقيقتها وصفاتها ومنها تعين الوقت إلا ربك فليس لهم أن يسألوا عن وقتها وليس في وسعك أن تجيب عنها.
وليس من البعيد ـ والله أعلم ـ أن تكون الآية في مقام التعليل بمعنى آخر وهو أن الساعة تقوم بفناء الأشياء وسقوط الأسباب وظهور أن لا ملك إلا لله الواحد القهار فلا ينتسب اليوم إلا إليه تعالى من غير أن يتوسط بالحقيقة بينه تعالى وبين اليوم أي سبب مفروض ومنه الزمان فليس يقبل اليوم توقيتا بحسب الحقيقة.
ولذا لم يرد في كلامه تعالى من التحديد إلا تحديد اليوم بانقراض نشأة الدنيا كقوله : « وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ » الزمر : ٦٨ وما في معناه من الآيات الدالة على خراب الدنيا بتبدل الأرض والسماء وانتثار الكواكب وغير ذلك.
وإلا تحديده بنوع من التمثيل والتشبيه كقوله تعالى : « كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها » ، وقوله : « كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ »