الأحقاف : ٣٥ ، وقوله : « وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ » ثم ذكر حق القول في ذلك فقال : « وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ » الروم : ٥٦.
ويلوح إلى ما مر ما في مواضع من كلامه أن الساعة لا تأتي إلا بغتة ، قال تعالى : « ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ » الأعراف : ١٨٧ إلى غير ذلك من الآيات.
وهذا وجه عميق يحتاج في تمامه إلى تدبر واف ليرتفع به ما يتراءى من مخالفته لظواهر عدة من آيات القيامة وعليك بالتدبر في قوله تعالى : « لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ » ق : ٢٢ وما في معناه من الآيات والله المستعان.
قوله تعالى : « إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها » أي إنما كلفناك بإنذار من يخشى الساعة دون الإخبار بوقت قيام الساعة حتى تجيبهم عن وقتها إذا سألوك عنه فالقصر في الآية قصر إفراد بقصر شأنه صلىاللهعليهوآله في الإنذار وتنفي عنه العلم بالوقت وتعيينه لمن يسأل عنه. والمراد بالخشية على ما يناسب المقام الخوف منها إذا ذكر بها أي شأنية الخشية لا فعليتها قبل الإنذار.
قوله تعالى : « كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها » بيان لقرب الساعة بحسب التمثيل والتشبيه بأن قرب الساعة من حياتهم الدنيا بحيث مثلهم حين يرونها مثلهم لو لبثوا بعد حياتهم في الأرض عشية أو ضحى تلك العشية أي وقتا نسبته إلى نهار واحد نسبة العشية إلى ما قبلها منه أو نسبة الضحى إلى ما قبله منه.
وقد ظهر بما تقدم أن المراد باللبث لبث ما بين الحياة الدنيا والبعث أي لبثهم في القبور لأن الحساب يقع على مجموع الحياة الدنيا.
وقيل : المراد به اللبث بين حين سؤالهم عن وقتها وبين البعث وفيه أنهم إنما يشاهدون لبثهم على هذه الصفة عند البعث والبعث الذي هو الإحياء بعد الموت إنما نسبته إلى الموت الذي قبله دون مجموع الموت وبعض الحياة التي بين زمان السؤال عن الوقت وزمان الموت.
على أنه لا يلائم ظواهر سائر الآيات المتعرضة للبثهم قبل البعث كقوله تعالى « قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ » المؤمنون : ١١٢.
وقيل : المراد باللبث اللبث في الدنيا وهو سخيف.