« يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ » وقول الرسل : كما في سورة إبراهيم « يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ » وقول الجن كما في سورة الأحقاف لقومهم : « يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ».
وفيه أن آية الصف موردها غير مورد المغفرة بسبب الإيمان فقط كما أشرنا إليه. على أن آية الأنفال صريحة في مغفرة ما قد سلف ، والمخاطب به كفار هذه الأمة.
وذهب بعضهم إلى كون « مِنْ » في قوله : « مِنْ ذُنُوبِكُمْ » زائدة ، ولم تثبت زيادة « من » في الإثبات فهو ضعيف ومثله في الضعف قول من ذهب إلى أن « مِنْ » بيانية ، وقول من ذهب إلى أنها لابتداء الغاية.
قوله تعالى : « وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ » تعليق تأخيرهم إلى أجل مسمى على عبادة الله والتقوى وطاعة الرسول يدل على أن هناك أجلين أجل مسمى يؤخرهم الله إليه إن أجابوا الدعوة ، وأجل غيره يعجل إليهم لو بقوا على الكفر ، وإن الأجل المسمى أقصى الأجلين وأبعدهما.
ففي الآية وعدهم بالتأخير إلى الأجل المسمى إن آمنوا وفي قوله : « إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ » تعليل للتأخير إلى الأجل المسمى إن آمنوا فالمراد بأجل الله إذا جاء مطلق الأجل المقضي المتحتم أعم من الأجل المسمى وغير المسمى فلا راد لقضائه تعالى ولا معقب لحكمه.
والمعنى : أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعوني يؤخركم الله إلى أجل مسمى هو أقصى الأجلين فإنكم إن لم تفعلوا ذلك جاءكم الأجل غير المسمى بكفركم ولم تؤخروا فإن أجل الله إذا جاء لا يؤخر ، ففي الكلام مضافا إلى وعد التأخير إلى الأجل المسمى إن آمنوا ، تهديد بعذاب معجل إن لم يؤمنوا.
وقد ظهر بما تقدم عدم استقامة تفسير بعضهم لأجل الله بالأجل غير المسمى وأضعف منه تفسيره بالأجل المسمى.
وذكر بعضهم : أن المراد بأجل الله يوم القيامة والظاهر أنه يفسر الأجل المسمى أيضا بيوم القيامة فيرجع معنى الآية حينئذ إلى مثل قولنا : إن لم تؤمنوا عجل الله إليكم بعذاب الدنيا وإن آمنتم أخركم إلى يوم القيامة أنه إذا جاء لا يؤخر.
وأنت خبير بأنه لا يلائم التبشير الذي في قوله : « يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ».