وقوله : « لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ » متعلق بأول الكلام أي لو كنتم تعلمون أن لله أجلين وأن أجله إذا جاء لا يؤخر استجبتم دعوتي وعبدتم الله واتقيتموه وأطعتموني هذا فمفعول « تَعْلَمُونَ » محذوف يدل عليه سابق الكلام.
وقيل : إن « تَعْلَمُونَ » منزل منزلة الفعل اللازم ، وجواب لو متعلق بأول الكلام ، والمعنى : لو كنتم من أهل العلم لاستجبتم دعوتي وآمنتم ، أو متعلق بآخر الكلام ، والمعنى : لو كنتم من أهل العلم لعلمتم أن أجل الله إذا جاء لا يؤخر.
قوله تعالى : « قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً » القائل هو نوح عليهالسلام والذي دعا إليه هو عبادة الله وتقواه وطاعة رسوله ، والدعاء ليلا ونهارا كناية عن دوامه من غير فتور ولا توان.
وقوله : « فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً » أي من إجابة دعوتي فالمراد بالفرار التمرد والتأبي عن القبول استعارة ، وإسناد زيادة الفرار إلى دعائه لما فيه من شائبة السببية لأن الخير إذا وقع في محل غير صالح قاومه المحل بما فيه من الفساد فأفسده فانقلب شرا ، وقد قال تعالى في صفة القرآن : « وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً » إسراء ٨٢.
قوله تعالى : « وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ » إلخ ذكر مغفرته تعالى غاية لدعوته والأصل ( دعوتهم ليؤمنوا فتغفر لهم ) » لأن الغرض الإشارة إلى أنه كان ناصحا لهم في دعوته ولم يرد إلا ما فيه خير دنياهم وعقباهم.
وقوله : « جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ » كناية عن استنكافهم عن الاستماع إلى دعوته ، وقوله : « وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ » أي غطوا بها رءوسهم ووجوههم لئلا يروني ولا يسمعوا كلامي وهو كناية عن التنفر وعدم الاستماع إلى قوله.
وقوله : « وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً » أي وألحوا على الامتناع من الاستماع واستكبروا عن قبول دعوتي استكبارا عجيبا.
قوله تعالى : « ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً » « ثُمَ » للتراخي بحسب رتبة الكلام والجهار النداء بأعلى الصوت.
قوله تعالى : « ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً » الإعلان والإسرار متقابلان