والمعنى : أي سبب حصل لكم حال كونكم لا تعتقدون أو لا تخافون لله عظمة توجب أن تعبدوه.
والحق أن المراد بالرجاء معناه المعروف وهو ما يقابل الخوف ونفيه كناية عن اليأس فكثيرا ما يكنى به عنه يقال : لا أرجو فيه خيرا أي أنا آيس من أن يكون فيه خير ، والوقار الثبوت والاستقرار والتمكن وهو الأصل في معناه كما صرح به في المجمع ، ووقاره تعالى ثبوته واستقراره في الربوبية المستتبع لألوهيته ومعبوديته.
كان الوثنيين طلبوا ربا له وقار في الربوبية لعبدوه فيئسوا منه تعالى فعبدوا غيره وهو كذلك فإنهم يرون أنه تعالى لا يحيط به أفهامنا فلا سبيل للتوجه العبادي إليه ، والعبادة أداء لحق الربوبية التي يتفرع عليها تدبير الأمر وتدبير أمور العالم مفوض إلى أصناف الملائكة والجن فهم أربابنا الذين يجب علينا عبادتهم ليكونوا شفعاء لنا عند الله ، وأما هو تعالى فليس له إلا الإيجاد إيجاد الأرباب ومربوبيهم جميعا دون التدبير.
والآية أعني قوله : « ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً » وما يتلوها إلى تمام سبع آيات مسوقة لإثبات وقاره تعالى في الربوبية وحجة قاطعة في نفي ما لفقوه لوجوب عبادة غيره من الملائكة وغيرهم لاستناد تدبير العالم إليهم ، ويتبين به إمكان التوجه العبادي إليه تعالى.
ومحصل الحجة : ما الذي دعاكم إلى نفي ربوبيته تعالى المستتبع للألوهية والمعبودية واليأس عن وقاره؟ وأنتم تعلمون أنه تعالى خلقكم وخلق العالم الذي تعيشون فيه طورا من الخلق لا ينفك عن هذا النظام الجاري فيه ، وليس تدبير الكون ومن فيه من الإنسان إلا التطورات المخلوقة في أجزائه والنظام الجاري فيه فكونه تعالى خالقا هو كونه مالكا مدبرا فهو الرب لا رب سواه فيجب أن يتخذ إلها معبودا.
ويتبين به صحة التوجه إليه تعالى بالعبادة فإنا نعرفه بصفاته الكريمة من الخلق والرزق والرحمة وسائر صفاته الفعلية فلنا أن نتوجه إليه بما نعرفه من صفاته (١).
__________________
(١) وإنما أخذناه بما نعرفه من صفاته الفعلية لأن من المنسوب إليهم أنهم ينكرون صفاته الذاتية ويفسرونها بسلب النقائص فمعنى كونه حيا قديرا عليما عندهم أنه ليس بميت ولا عاجز ولا جاهل على أن الآيات أيضا تصفه بالصفات الفعلية ، منه.