والمراد بعوذ الإنس بالجن ـ على ما قيل : إن الرجل من العرب كان إذا نزل الوادي في سفره ليلا قال : أعوذ بعزيز هذا الوادي من شر سفهاء قومه ، ونقل عن مقاتل أن أول من تعوذ بالجن قوم من اليمن ثم بنو حنيفة ثم فشا في العرب.
ولا يبعد أن يكون المراد بالعوذ بالجن الاستعانة بهم في المقاصد من طريق الكهانة ، وإليه يرجع ما نقل عن بعضهم أن المعنى كان رجال من الإنس يعوذون برجال من أجل الجن ومن معرتهم وأذاهم.
والضميران في قوله : « فَزادُوهُمْ » أولهما لرجال من الإنس وثانيهما لرجال من الجن والمعنى فزاد رجال الإنس رجال الجن رهقا بالتجائهم إليهم فاستكبر رجال الجن وطغوا وأثموا ، ويجوز العكس بأن يكون الضمير الأول لرجال الجن والثاني لرجال الإنس ، والمعنى فزاد رجال الجن رجال الإنس رهقا أي إثما وطغيانا أو ذلة وخوفا.
قوله تعالى : « وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً » ضمير « أنهم » لرجال من الإنس ، والخطاب في « ظَنَنْتُمْ » لقومهم من الجن ، والمراد بالبعث بعث الرسول بالرسالة فالمشركون ينكرون ذلك ، وقيل : المراد به الإحياء بعد الموت ، وسياق الآيات التالية يؤيد الأول.
وعن بعضهم أن هذه الآية والتي قبلها ليستا من كلام الجن بل كلامه تعالى معترضا بين الآيات المتضمنة لكلام الجن ، وعليه فضمير « أَنَّهُمْ » للجن وخطاب « ظَنَنْتُمْ » للناس ، وفيه أنه بعيد من السياق.
قوله تعالى : « وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً » لمس السماء الاقتراب منها بالصعود إليها ، والحرس ـ على ما قيل ـ اسم جمع لحارس ولذا وصف بالمفرد والمراد بالحرس الشديد الحفاظ الأقوياء في دفع من يريد الاستراق منها ولذا شفع بالشهب وهي سلاحهم.
قوله تعالى : « وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً » يفيد انضمام صدر الآية إلى الآية السابقة أن ملء السماء بالحرس الشديد والشهب مما حدث أخيرا وأنهم كانوا من قبل يقعدون من السماء مقاعد لاستماع كلام الملائكة ويفيد ذيل الآية بالتفريع على جميع ما تقدم أن من يستمع الآن منا بالقعود منها مقعدا للسمع يجد له