شهابا من صفته أنه راصد له يرميه به الحرس.
فيتحصل من مجموع الآيتين الإخبار بأنهم عثروا على حادثة سماوية جديدة مقارنة لنزول القرآن وبعثة النبي صلىاللهعليهوآله وهي منع الجن من تلقي أخبار السماء باستراق السمع.
ومن عجيب الاستدلال ما عن بعضهم أن في الآيتين ردا على من زعم أن الرجم حدث بعد مبعث رسول الله صلىاللهعليهوآله لظهور قوله : « مُلِئَتْ حَرَساً » في أن الحادث هو الملء وكثرة الحرس لا أصل الحرس ، وظهور قوله : « نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ » في أنا كنا نجد فيها بعض المقاعد خاليا من الحرس والشهب ، والآن ملئت المقاعد كلها فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا.
ويدفعه أنه لو كان المراد بالآيتين هو الإخبار عن ملء السماء بالحرس وتكثير عددهم بحيث لا يوجد فيها مقاعد خالية منهم وقد كانت توجد قبل ذلك كان الواجب أن يتوجه النفي في قوله : « فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً » إلى السمع عن جميع المقاعد قبال إثبات السمع من بعض تلك المقاعد لا نفي مجرد السمع.
سلمنا أن المراد نفي السمع على الإطلاق وهو يكفي في ذلك لكن تعلق الغرض في الكلام بالإخبار عن الامتلاء بالحرس مع كون بعض المقاعد خالية عنهم قبل ذلك ، وكذا تقييد قوله : « فَمَنْ يَسْتَمِعِ » إلخ ، بقوله : « الْآنَ » يدل على حدوث أمر جديد في رجم الجن وهو استيعاب الرجم لهم في أي مقعد قعدوا والمنع من السمع مطلقا بعد ما كانوا يستمعون من بعض المقاعد من غير منع ، وهذا المقدار كاف للمدعي فيما يدعيه.
وليتنبه أن مدلول الآية حدوث رجم الجن بشهاب رصد وهو غير حدوث الشهاب السماوي وهو ظاهر فلا ورود لما قيل : إن الشهب السماوية كانت من الحوادث الجوية الموجودة قبل زمن النبي صلىاللهعليهوآله ونزول القرآن.
وجه عدم الورود أن الذي يظهر من القرآن حدوث رجم الشياطين من الجن بالشهب من غير تعرض لحدوث أصل الشهب ، وقد تقدم في تفسير أول سورة الصافات بعض ما يتعلق بهذا المقام.
قوله تعالى : « وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً »