الرشد بفتحتين والرشد بالضم فالسكون خلاف الغي وتنكير « رَشَداً » لإفادة النوع أي نوعا من الرشد.
هذا منهم إظهار للجهل والتحير فيما شاهدوه من أمر الرجم ومنع شياطين الجن من الاطلاع على أخبار السماء غير أنهم تنبهوا على أن ذلك لأمر ما يرجع إلى أهل الأرض إما خير أو شر وإذا كان خيرا فهو نوع هدى لهم وسعادة ولذا بدلوا الخير وهو المقابل للشر من الرشد ، ويؤيده قولهم : « أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ » المشعر بالرحمة والعناية.
وقد صرحوا بالفاعل لإرادة الرشد وحذفوه في جانب الشر أدبا ولا يراد شر من جانبه تعالى إلا لمن استحقه.
قوله تعالى : « وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً » الصلاح مقابل الطلاح ، والمراد بدون ذلك ما يقرب منه رتبة ـ على ما قيل ـ ، والظاهر أن دون بمعنى غير ، ويؤيده قوله : « كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً » الدال على التفرق والتشتت والطرائق جمع طريقة وهي الطريق المطروقة المسلوكة ، والقدد القطع جمع قدة بمعنى قطعة من القد بمعنى القطع وصفت الطرائق بالقدد لأن كل واحدة منها مقطوعة عن غيرها تنتهي بسالكها إلى غاية غير ما ينتهي به إليه غيرها ، وإلى هذا المعنى يرجع تفسير القدد بالطرائق المتفرقة المتشتتة.
والظاهر أن المراد بقوله : « الصَّالِحُونَ » الصالحون بحسب الطبع الأولي في المعاشرة والمعاملة دون الصالحين بحسب الإيمان ، ولو كان المراد صلاح الإيمان لكان الأنسب أن يذكر بعد ما سيجيء من حديث إيمانهم لما سمعوا الهدى.
وذكر بعضهم أن قوله : « طَرائِقَ قِدَداً » منصوب على الظرفية أي في طرائق قدد وهي المذاهب المتفرقة المتشتتة ، وقال آخرون إنه على تقدير مضاف أي ذوي طرائق ، ولا يبعد أن يكون من الاستعارة بتشبيههم أنفسهم في الاختلاف والتباين بالطرق المقطوع بعضها من بعض الموصلة إلى غايات متشتتة.
والمعنى : وأنا منا الصالحون طبعا ومنا غير ذلك كنا في مذاهب مختلفة أو ذوي مذاهب مختلفة أو كالطرق المقطوعة بعضها عن بعض.
قوله تعالى : « وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً » الظن هو