أي كائنا من الله وليس متعلقا بقوله : « بَلاغاً » لأنه يتعدى بعن لا بمن ولذا قال بعض من جعله متعلقا ببلاغا : إن « من » بمعنى عن ، والمعنى على أي حال إلا تبليغ ما هو تعالى عليه من الأسماء والصفات.
وقوله : « وَرِسالاتِهِ » قيل : معطوف على « بَلاغاً » والتقدير إلا بلاغا من الله وإلا رسالاته وقيل : معطوف على لفظ الجلالة ومن بمعنى عن ، والمعنى إلا بلاغا عن الله وعن رسالاته.
وفيما استثني منه بلاغا قول آخر وهو أنه مفعول « لا أَمْلِكُ » والمعنى لا أملك لكم ضرا ولا رشدا إلا تبليغا من الله ورسالاته ، ويبعده الفصل بين المستثنى والمستثنى منه بقوله : « لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ » إلخ وهو كلام مستأنف.
ومعنى الآيتين على ما قدمنا : قل لن يجيرني من الله أحد فيمنعني منه ولن أجد من دونه مكانا التجئ إليه إلا تبليغا كائنا منه ورسالاته أي إلا أن أمتثل ما أمرني به من التبليغ منه تعالى ببيان أسمائه وصفاته وإلا رسالاته في شرائع الدين.
قوله تعالى : « وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً » إفراد ضمير « اللهِ » باعتبار لفظ « مِنَ » كما أن جمع « خالِدِينَ » باعتبار معناها.
وعطف الرسول على الله في قوله : « وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ » لكون معصيته معصية لله تعالى إذ ليس له إلا رسالة ربه فالرد عليه فيما أتي به رد على الله سبحانه وطاعته فيما يأمر به طاعة لله قال تعالى : « مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ » النساء ٨٠.
والمراد بالمعصية ـ كما يشهد به سياق الآيات السابقة ـ معصية ما أمر به من التوحيد أو التوحيد وما يتفرع عليه من أصول الدين وفروعه فلا يشمل التهديد والوعيد بخلود النار إلا الكافرين بأصل الدعوة دون مطلق أهل المعصية المتخلفين عن فروع الدين فالاحتجاج بالآية على تخليد مطلق العصاة في النار في غير محله.
والظاهر أن قوله : « وَمَنْ يَعْصِ اللهَ » إلى آخر الآية من كلام الله سبحانه لا من تتمة كلام النبي صلىاللهعليهوآله.
قوله تعالى : « حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً » لقوله : « حَتَّى » دلالة على معنى مدخولها غاية له ومدخولها يدل على أنهم كانوا يستضعفون النبي صلىاللهعليهوآله بعد ناصريه ـ وهم المؤمنون ـ ضعفاء واستقلال عدده بعد عددهم قليلا