أن يبين لهم وجه عبادته بيانا يزيل عنهم الحيرة حيث رأوا منه ما لم يكونوا رأوه من أحد غيره ، ويتعجبون حاملين له على نوع من المكيدة والمكر بأصنامهم أو خدعة بهم لأغراض أخر دنيوية.
ومحصل البيان : أني لست أريد بما آتي به من العمل شيئا من المقاصد التي تحسبونها وترمونني بها وإنما أدعو ربي وحدة غير مشرك به أحدا وعبادة الإنسان لمن عرفه ربا لنفسه مما لا ينبغي أن يلام عليه أو يتعجب منه.
قوله تعالى : « قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً » الذي يفيده سياق الآيات الكريمة أنه صلىاللهعليهوآله يبين فيها بأمر من ربه موقع نفسه وبالنسبة إلى ربه وبالنسبة إلى الناس.
أما موقعه بالنسبة إلى ربه فهو أنه يدعوه ولا يشرك به أحدا وهو قوله : « قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً ».
وأما موقعه بالنسبة إليهم فهو أنه بشر مثلهم لا يملك لهم ضرا ولا رشدا حتى يضرهم بما يريد أن يرشدهم من الخير إلى ما يريد بما عنده من القدرة ، وأنه مأمور من الله بدعوتهم أمرا ليس له إلا أن يمتثله فلا مجير يجيره منه ولا ملجأ يلتجئ إليه لو خالف وعصى كما ليس لهم إلا أن يطيعوا الله ورسوله ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا ، وسيعلمون إذا رأوا ما يوعدون.
ولازم هذا السياق أن يكون المراد بملك الضر القدرة على إيقاع الضر بهم فيوقعه بهم إذا أراد ، والمراد بملك الرشد القدرة على إيصال النفع إليهم بإصابة الواقع أي إني لا أدعي أني أقدر أن أضركم أو أنفعكم ، وقيل : المراد بالضر الغي المقابل للرشد تعبيرا باسم المسبب عن السبب.
قوله تعالى : « قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ » الإجارة إعطاء الجوار وحكمه حماية المجير للجار ومنعه ممن يقصده بسوء ، والظاهر أن الملتحد اسم مكان وهو المكان الذي يعدل وينحرف إليه للتحرز من الشر ، وقيل : المدخل ويتعلق به قوله : « مِنْ دُونِهِ » وهو كالقيد التوضيحي والضمير لله والبلاغ التبليغ.
وقوله : « إِلَّا بَلاغاً » استثناء من قوله : « مُلْتَحَداً » وقوله : « مِنَ اللهِ » متعلق بمقدر