أَعْلَمُ الْغَيْبَ » الأنعام : ٥٠ ، وقوله : « وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ » الأعراف : ١٨٨ وقوله : « قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ » الأحقاف : ٩.
وثانيا : أن عموم قوله : « فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً » لما خصص بقوله : « إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ » عاد عاما مخصصا لا يأبى تخصيصا بمخصص آخر كما في مورد الأنبياء فإن الآيات القرآنية تدل على أنهم يوحى إليهم كقوله : « إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ » النساء : ١٦٣ وتدل على أن الوحي من الغيب فالنبي ينال الغيب كما يناله الرسول هذا على تقدير أن يكون المراد بالرسول في الآية ما يقابل النبي وأما لو أريد مطلق من أرسله الله إلى الناس والنبي ممن أرسله الله إليهم كما يشهد به قوله : « وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ » الآية : الحج : ٥٢ ، وقوله : « وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ » الأعراف : ٩٤ فالنبي خارج من عموم النفي من غير تخصيص جديد.
وكذا في مورد الإمام بالمعنى الذي يستعمله فيه القرآن فإنه تعالى يصفه بالصبر واليقين كما في قوله : « وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ » الم السجدة ٢٤ ويعرفهم بانكشاف الغطاء لهم كما في قوله : « وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ » الأنعام : ٧٥ ، وقوله : « كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ » التكاثر : ٦ وقد تقدم كلام في ذلك في بعض المباحث السابقة.
وأما الملائكة فما يحملونه من الوحي السماوي قبل نزوله وكذا ما يشاهدونه من عالم الملكوت شهادة بالنسبة إليهم وإن كان غيبا بالنسبة إلينا. على أن قوله : « فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً » إنما يشمل أهل الدنيا ممن يعيش على بسيط الأرض وإلا لانتقض بالأموات المشاهدين لأمور الآخرة وهي من الغيب بنص القرآن فلم يبق تحت عموم النفي حتى فرد واحد إذ ما من أحد إلا وهو مبعوث ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود ، وكما أن الأموات نشأتهم غير نشأة الدنيا كذلك نشأة الملائكة غير نشأة المادة.
وثالثا : أن قوله : « فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ » إلى آخر الآيتين يدل على أن الوحي الإلهي محفوظ من لدن صدوره من مصدر الوحي إلى بلوغه الناس مصون في طريق نزوله إلى أن يصل إلى من قصد نزوله عليه.