جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ ) مدنية لما في سياقها من الاتحاد واستلزام البعض للبعض.
ومدنية هذه الآيات الواقعة تحت الاستثناء تستدعي ما استثنيت منه وهو على الأقل ثلاث آيات قوله : ( إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً ـ إلى قوله ـ مَنُوعاً ).
على أن قوله : « فَما لِالَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ » متفرع على ما قبله تفرعا ظاهرا وهو ما بعده إلى آخر السورة ذو سياق واحد فتكون هذه الآيات أيضا مدنية.
ومن جهة أخرى مضامين هذا الفصل من الآيات تناسب حال المنافقين الحافين حول النبي صلىاللهعليهوآله عن اليمين وعن الشمال عزين وهم الرادون لبعض ما أنزل الله من الحكم وخاصة قوله : « أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ » إلخ ، وقوله : « عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ » إلخ على ما سيجيء ، وموطن ظهور هذا النفاق المدينة لا مكة ، ولا ضير في التعبير عن هؤلاء بالذين كفروا فنظير ذلك موجود في سورة التوبة وغيرها.
على أنهم رووا أن السورة نزلت في قول القائل : « اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ » الأنفال : ٣٢ وقد تقدم في تفسير الآية أن سياقها والتي بعدها سياق مدني لا مكي. لكن المروي عن الصادق عليهالسلام أن المراد بالحق المعلوم في الآية حق يسميه صاحب المال في ماله غير الزكاة المفروضة.
ولا عبرة بما نسب إلى اتفاق المفسرين أن السورة مكية على أن الخلاف ظاهر وكذا ما نسب إلى ابن عباس أنها نزلت بعد سورة الحاقة.
قوله تعالى : « سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ » السؤال بمعنى الطلب والدعاء ، ولذا عدي بالباء كما في قوله : « يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ » الدخان : ٥٥ وقيل : الفعل مضمن معنى الاهتمام والاعتناء ولذا عدي بالباء ، وقيل : الباء زائدة للتأكيد ، ومآل الوجوه واحد وهو طلب العذاب من الله كفرا وعتوا.
وقيل : الباء بمعنى عن كما في قوله : « فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً » الفرقان : ٥٩ ، وفيه أن كونها في الآية المستشهد بها بمعنى عن ممنوع. على أن سياق الآيات التالية وخاصة قوله : « فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً » لا يلائم كون السؤال بمعنى الاستفسار والاستخبار.
فالآية تحكي سؤال العذاب وطلبه عن بعض من كفر طغيانا وكفرا ، وقد وصف العذاب المسئول من الأوصاف بما يدل على إجابة الدعاء بنوع من التهكم والتحقير وهو قوله : « واقِعٍ »