تحملها أو لم تطقها فربما أضيف إلى القول من جهة معناه فعد ثقيلا لتضمنه معنى يشق على النفس إدراكه أو لا تطيق فهمه أو تتحرج من تلقيه كدقائق الأنظار العلمية إذا ألقيت على الأفهام العامة ، أو لتضمنه حقائق يصعب التحقق بها أو تكاليف يشق الإتيان بها والمداومة عليها.
والقرآن قول إلهي ثقيل بكلا المعنيين : أما من حيث تلقي معناه فإنه كلام إلهي مأخوذ من ساحة العظمة والكبرياء لا تتلقاه إلا نفس طاهرة من كل دنس منقطع عن كل سبب إلا الله سبحانه ، وكتاب عزيز له ظهر وبطن وتنزيل وتأويل تبيانا لكل شيء ، وقد كان ثقله مشهودا من حال النبي صلىاللهعليهوآله بما كان يأخذه من البرحاء وشبه الإغماء على ما وردت به الأخبار المستفيضة.
وأما من حيث التحقق بحقيقة التوحيد وما يتبعها من الحقائق الاعتقادية فكفى في الإشارة إلى ثقله قوله تعالى : « لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ » الحشر : ٢١ ، وقوله تعالى : « وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى » الرعد ٣١.
وأما من حيث القيام بما يشتمل عليه من أمر الدعوة وإقامة مراسم الدين الحنيف ، وإظهاره على الدين كله فيشهد به ما لقي صلىاللهعليهوآله من المصائب والمحن في سبيل الله والأذى في جنب الله على ما يشهد به الآيات القرآنية الحاكية لما لقيه النبي صلىاللهعليهوآله من المشركين والكفار والمنافقين والذين في قلوبهم مرض من أنواع الإيذاء والهزء والجفاء.
فقوله : « إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً » المراد بالقول الثقيل القرآن العظيم على ما يسبق إلى الذهن من سياق هذه الآيات النازلة في أول البعثة ، وبه فسره المفسرون.
والآية في مقام التعليل للحكم المدلول عليه بقوله : « قُمِ اللَّيْلَ » إلخ فتفيد بمقتضى السياق ـ والخطاب خاص بالنبي صلىاللهعليهوآله ـ أن أمره بقيام الليل والتوجه فيه إليه تعالى بصلاة الليل تهيئة له وإعداد لكرامة القرب وشرف الحضور وإلقاء قول ثقيل فقيام الليل هي السبيل المؤدية إلى هذا الموقف الكريم وقد عد سبحانه صلاة الليل سبيلا إليه في قوله الآتي : « إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً ».
وقد زاد سبحانه وعدا على ما في هذه الآية في قوله : « وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً