من الوثنيين يتخذ صنما لنفسه فحسب غير ما اتخذه غيره من الأصنام ولو كان اتخاذه صلىاللهعليهوآله له تعالى ربا من هذا القبيل أو احتمل ذلك لم تصح دعوته إلى التوحيد.
وليكون قوله : ( رَبِّكَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ) ـ وهو في معنى رب العالم كله ـ توطئة وتمهيدا لقوله بعده : « لا إِلهَ إِلَّا هُوَ » يعلل به توحيد الألوهية فإن الألوهية وهي المعبودية من فروع الربوبية التي هي الملك والتدبير كما تقدم مرارا فهو تعالى الإله وحده لا إله إلا هو لأنه الرب وحده لا رب إلا هو.
وقوله : « فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً » أي في جميع أمورك ، وتوكيل الوكيل هو إقامة الإنسان غيره مقام نفسه بحيث تقوم إرادته مقام إرادته وعمله مقام عمله فاتخاذه تعالى وكيلا أن يرى الإنسان الأمر كله له وإليه تعالى أما في الأمور الخارجية والحوادث الكونية فأن لا يرى لنفسه ولا لشيء من الأسباب الظاهرية استقلالا في التأثير فلا مؤثر في الوجود بحقيقة معنى التأثير إلا الله فلا يتعلق بتأثير سبب من الأسباب برضى أو سخط أو سرور أو أسف وغير ذلك بل يتوسل إلى مقاصده ومآربه بما عرفه الله من الأسباب من غير أن يطمئن إلى استقلالها في التأثير ويرجع الظفر بالمطلوب إلى الله ليختار له ما يرتضيه.
وأما الأمور التي لها تعلق بالعمل من العبادات والمعاملات فأن يجعل إرادته تابعة لإرادة ربه التشريعية فيعمل على حسب ما يريده الله تعالى منه فيما شرع من الشريعة.
ومن هنا يظهر أن لقوله : « فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً » ارتباطا بقوله : « وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ » إلخ وما تقدم عليه من الأوامر التشريعية كما أن له ارتباطا بما تأخر عنه من قوله « وَاصْبِرْ » وقوله « اهْجُرْهُمْ » وقوله : « وَذَرْنِي ».
قوله تعالى : « وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً » معطوف هو وما بعده على مدخول الفاء في قوله : « فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً » فالمعنى اتخذه وكيلا ولازم اتخاذه وكيلا أن تصبر على ما يقولون مما فيه إيذاؤك والاستهزاء بك ورميك بما ليس فيك كقولهم : افترى على الله ، كاهن شاعر ، مجنون ، أساطير الأولين وغير ذلك مما يقصه القرآن.
وأن تهجرهم هجرا جميلا ، والمراد بالهجر الجميل على ما يعطيه السياق أن يعاملهم بحسن الخلق والدعوة إلى الحق بالمناصحة ، ولا يواجه قولهم بما في وسعه من المقابلة بالمثل ، والآية لا تدافع آية القتال فلا وجه لقول من قال : إنها منسوخة بآية القتال.