بالذكر اللفظي ، وإن أراد ما يعم الذكر القلبي فهو ممنوع ولو سلم ففيه أولا أن عدم نسيانه صلىاللهعليهوآله ربه إلى حين الخطاب لا ينافي أمره بذكره بعده وثانيا أن عده الدوام الحقيقي غير ممكن وحمل الدوام على العرفي وهم ناش عن عدم تحصيل المعنى على ما هو عليه فالله جل ذكره مذكور للإنسان لا يغيب عنه ولا لحظة سواء تنبه عليه الإنسان أو غفل عنه. ومن الممكن أن يعرفه الله نفسه بحيث لا يغفل عنه ولا في حال قال تعالى : « فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ » حم السجدة : ٣٨ وقال : « يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ » الأنبياء : ٢٠ وقد تقدم في تفسير الآيتين وآخر سورة الأعراف أن ذلك لا يختص بالملائكة.
وبالجملة قوله : « وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ » أمر بذكر اسم من أسمائه أو لفظ الجلالة خاصة وقيل : المراد به البسملة.
وفي قوله : « رَبِّكَ » التفات عن التكلم مع الغير في قوله : « إِنَّا سَنُلْقِي » إلى الغيبة ولعل الوجه فيه إيقاظ ذلة العبودية التي هي الرابطة بين العبد وربه ، بذكر صفة الربوبية.
وقوله « وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً » فسر التبتل بالانقطاع أي وانقطع إلى الله ، ومن المروي عن أئمة أهل البيت عليهالسلام أن التبتل رفع اليد إلى الله والتضرع إليه ، وهذا المعنى أنسب بناء على حمل الذكر على الذكر اللفظي كما تقدم.
و « تَبْتِيلاً » مفعول مطلق ظاهرا وكان مقتضى الظاهر أن يقال : وتبتل إليه تبتلا فالعدول إلى التبتيل قيل : لتضمين تبتل معنى بتل ، والمعنى وقطع نفسك من غيره إليه تقطيعا أو احمل نفسك على رفع اليد إليه والتضرع حملا ، وقيل : لمراعاة الفواصل.
قوله تعالى : « رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً » وصف مقطوع عن الوصفية والتقدير هو رب المشرق والمغرب ، ورب المشرق والمغرب في معنى رب العالم كله فإن المشرق والمغرب جهتان نسبيتان تشملان جهات العالم المشهود كلها ، وإنما اختصا بالذكر لمناسبة ما تقدم من ذكر الليل والنهار المرتبطين بالشروق والغروب.
وإنما لم يقتصر في الإشارة إلى ربوبيته تعالى بقوله السابق : « رَبِّكَ » للإيذان بأنه صلىاللهعليهوآله مأمور باتخاذه ربا لأنه ربه ورب العالم كله لا لأنه ربه وحده كما ربما كان الرجل