( بيان )
آية مبنية على التخفيف فيما أمر به النبي صلىاللهعليهوآله في صدر السورة من قيام الليل والصلاة فيه ثم عمم الحكم لسائر المؤمنين بقوله : « إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ » الآية.
ولسان الآية هو التخفيف بما تيسر من القرآن من غير نسخ لأصل الحكم السابق بالمنع عن قيام ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه.
وقد ورد في غير واحد من الأخبار أن الآية مكية نزلت بعد ثمانية أشهر أو سنة أو عشر سنين من نزول آيات صدر السورة لكن يوهنه اشتمال الآية على قوله تعالى : « وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً » فإن ظاهره أن المراد بالزكاة ـ وقد ذكرت قبلها الصلاة وبعدها الإنفاق المستحب ـ هو الزكاة المفروضة وإنما فرضت الزكاة بالمدينة بعد الهجرة.
وقول بعضهم : إن الزكاة فرضت بمكة من غير تعيين الأنصباء والذي فرض بالمدينة تعيين الأنصباء ، تحكم من غير دليل ، وكذا قول بعضهم : إنه من الممكن أن تكون الآية مما تأخر حكمه عن نزوله.
على أن في الآية ذكرا من القتال إذ يقول : « وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ » ولم يكن من مصلحة الدعوة الحقة يومئذ ذاك والظرف ذلك الظرف أن يقع في متنها ذكر من القتال بأي وجه كان ، فالظاهر أن الآية مدنية وليست بمكية وقد مال إليه بعضهم.
قوله تعالى : « إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ » إلى آخر الآية. الخطاب للنبي صلىاللهعليهوآله وفي التعبير بقوله : « رَبَّكَ » تلويح إلى شمول الرحمة والعناية الإلهية ، وكذا في قوله : « يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ » إلخ مضافا إلى ما فيه من لائحة الشكر قال تعالى : « وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً » الدهر ٢٢.
وقوله : « تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ » أدنى اسم تفضيل من الدنو بمعنى القرب ، وقد جرى العرف على استعمال أدنى فيما يقرب من الشيء وهو أقل فيقال : إن عدتهم أدنى من عشرة إذا كانوا تسعة مثلا دون ما لو كانوا أحد عشر فمعنى قوله : « أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ » أقرب من ثلثيه وأقل بقليل.