( بيان )
تتضمن السورة أمر النبي صلىاللهعليهوآله بالإنذار في سياق يلوح منه كونه من أوامر أوائل البعثة ثم الإشارة إلى عظم شأن القرآن الكريم وجلالة قدره ، والوعيد الشديد على من يواجهه بالإنكار والرمي بالسحر ، وذم المعرضين عن دعوته.
والسورة مكية من العتائق النازلة في أوائل البعثة وظهور الدعوة حتى قيل : إنها أول سورة نزلت من القرآن وإن كان يكذبه نفس آيات السورة الصريحة في سبق قراءته صلىاللهعليهوآله القرآن على القوم وتكذيبهم به وإعراضهم عنهم ورميهم له بأنه سحر يؤثر.
ولذا مال بعضهم إلى أن النازل أولا هي الآيات السبع الواقعة في أول السورة ولازمه كون السورة غير نازلة دفعة وهو وإن كان غير بعيد بالنظر إلى متن الآيات السبع لكن يدفعه سياق أول سورة العلق الظاهر في كونه أول ما نزل من القرآن.
واحتمل بعضهم أن تكون السورة أول ما نزل على النبي صلىاللهعليهوآله عند الأمر بإعلان الدعوة بعد إخفائها مدة في أول البعثة فهي في معنى قوله : « فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ » الحجر ٩٤ ، وبذلك جمع بين ما ورد من أنها أول ما نزل ، وما ورد أنها نزلت بعد سورة العلق ، وما ورد أن سورتي المزمل والمدثر نزلتا معا ، وهذا القول لا يتعدى طور الاحتمال.
وكيف كان فالمتيقن أن السورة من أوائل ما نزل على النبي صلىاللهعليهوآله من السور القرآنية ، والآيات السبع التي نقلناها تتضمن الأمر بالإنذار وسائر الخصال التي تلزمه مما وصاه الله به.
قوله تعالى : « يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ » المدثر بتشديد الدال والثاء أصله المتدثر اسم فاعل من التدثر بمعنى التغطي بالثياب عند النوم.
والمعنى : يا أيها المتغطي بالثياب للنوم خطاب للنبي صلىاللهعليهوآله وقد كان على هذه الحال فخوطب بوصف مأخوذ من حاله تأنيسا وملاطفة نظير قوله : « يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ».
وقيل : المراد بالتدثر تلبسه صلىاللهعليهوآله بالنبوة بتشبيهها بلباس يتحلى به ويتزين وقيل : المراد به اعتزاله صلىاللهعليهوآله وغيبته عن النظر فهو خطاب له بما كان عليه في غار حراء ، وقيل : المراد به الاستراحة والفراغ فكأنه قيل له صلىاللهعليهوآله : يا أيها المستريح الفارغ قد