انقضى زمن الراحة وأقبل زمن متاعب التكاليف وهداية الناس.
وهذه الوجوه وإن كانت في نفسها لا بأس بها لكن الذي يسبق إلى الذهن هو المعنى الأول.
قوله تعالى : « قُمْ فَأَنْذِرْ » الظاهر أن المراد به الأمر بالإنذار من غير نظر إلى من ينذر فالمعنى افعل الإنذار ، وذكر بعضهم أن مفعول الفعل محذوف ، والتقدير أنذر عشيرتك الأقربين لمناسبته لابتداء الدعوة كما ورد في سورة الشعراء.
وذكر آخرون أن المفعول المحذوف عام وهو جميع الناس لقوله : « وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ » سبأ : ٢٨.
ولم يذكر التبشير مع الإنذار مع أنهما كالمتلازمين في تمام الدعوة لأن السورة مما نزل في ابتداء الدعوة والإنذار هو الغالب إذ ذاك.
قوله تعالى : « وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ » أي أنسب ربك إلى الكبرياء والعظمة اعتقادا وعملا قولا وفعلا وهو تنزيهه تعالى من أن يعادله أو يفوقه شيء فلا شيء يشاركه أو يغلبه أو يمانعه ، ولا نقص يعرضه ، ولا وصف يحده.
ولذا ورد عن أئمة أهل البيت عليهالسلام أن معنى التكبير : الله أكبر من أن يوصف ، فهو تعالى أكبر من كل وصف نصفه به حتى من هذا الوصف ، وهذا هو المناسب للتوحيد الإسلامي الذي يفوق ما نجده من معنى التوحيد في سائر الشرائع السماوية.
وهذا الذي ذكرناه هو الفرق بين كلمتي التكبير والتسبيح ـ الله أكبر وسبحان الله ـ فسبحان الله تنزيه له تعالى عن كل وصف عدمي مبني على النقص كالموت والعجز والجهل وغير ذلك ، والله أكبر تنزيه مطلق له تعالى عن كل وصف نصفه به أعم من أن يكون عدميا أو وجوديا حتى من نفس هذا الوصف لما أن كل مفهوم محدود في نفسه لا يتعدى إلى غيره من المفاهيم وهو تعالى لا يحيط به حد ، فافهم ذلك.
وقيل : المراد الأمر بالتكبير في الصلاة.
والتعبير عنه تعالى بربك لا يخلو من إشعار بأن توحيده تعالى يومئذ كان يختص به.
قال في الكشاف ، في قوله : « فَكَبِّرْ » ودخلت الفاء لمعنى الشرط كأنه قيل : وما كان فلا تدع تكبيره.