والمراد بعروج الملائكة والروح إليه يومئذ رجوعهم إليه تعالى عند رجوع الكل إليه فإن يوم القيامة يوم بروز سقوط الوسائط وتقطع الأسباب وارتفاع الروابط بينها وبين مسبباتها والملائكة وسائط موكلة على أمور العالم وحوادث الكون فإذا تقطعت الأسباب عن مسبباتها وزيل الله بينهم ورجع الكل إلى الله عز اسمه رجعوا إليه وعرجوا معارجهم فحفوا من حول عرش ربهم وصفوا قال تعالى : « وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ » الزمر ـ ٧٥ ، وقال : « يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا » النبأ : ٣٨.
والظاهر أن المراد بالروح الروح الذي هو من أمره تعالى كما قال : « قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي » إسراء : ٨٥ وهو غير الملائكة كما هو ظاهر قوله تعالى : « يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ » النحل : ٢.
فلا يعبأ بما قيل : إن المراد بالروح جبرئيل وإن أطلق عليه الروح الأمين وروح القدس في قوله : « نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ » الشعراء : ١٩٤ وقوله : « قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ » النحل : ١٠٣ فإن المقيد غير المطلق.
قوله تعالى : « فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً » لما كان سؤال السائل للعذاب عن تعنت واستكبار وهو مما يشق تحمله أمر نبيه صلىاللهعليهوآله بالصبر ووصفه بالجميل ـ والجميل من الصبر ما ليس فيه شائبة الجزع والشكوى ، وعلله بأن اليوم بما فيه من العذاب قريب.
قوله تعالى : « إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً » ضميرا « يَرَوْنَهُ » و « نَراهُ » للعذاب أو ليوم القيامة بما فيه من العذاب الواقع ويؤيد الأول قوله فيما بعد : « يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ » إلخ.
والمراد بالرؤية الاعتقاد بنوع من العناية المجازية ورؤيتهم ذلك بعيدا ظنهم أنه بعيد من الإمكان فإن سؤال العذاب من الله سبحانه استكبارا عن دينه وردا لحكمه لا يجامع الإيمان بالمعاد وإن تفوه به السائل ، ورؤيته تعالى ذلك قريبا علمه بتحققه وكل ما هو آت قريب.
وفي الآيتين تعليل أمره صلىاللهعليهوآله بالصبر الجميل فإن تحمل الأذى والصبر على المكاره يهون على الإنسان إذا استيقن أن الفرج قريب وتذكر ذلك فالكلام في معنى قولنا فاصبر على تعنتهم واستكبارهم في سؤالهم العذاب صبرا جميلا لا يشوبه جزع وشكوى فأنا نعلم أن