هذا المظهر الخارجي لجوهر الصراع الذي استشرى بعد ذلك بين أهل بيت رسول الله صلىاللهعليهوآله وبين ذرَّية أبي سفيان فأهل البيت يرون أنّ الخلافة مركب يقود إلى الآخرة وفق أحكام الله وبنو اُميّة يتطلّعون إليها باعتبارها مركباً يقود للجاه والسلطان وانقياد الدنيا وفق أهواء النفس ومطالبها. وبين أحكام الله وبين أهواء النفس أحدث الانقسام المربع في جسد أُمّة الإسلام والتفّ الأبناء حول الرمز الأقرب لما تهيّأت له أنفسهم (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآَخِرَةَ) (١). فالفكر المسيحي الغربي لا يعي هذا التناقض الصارخ بين الحقّ المقهور وبين الباطل المنتصر.
كيف صارت الشهادة التي أقدم عليها الحسين عليهالسلام وآل بيته وصحبه الأطهار رمزاً للحقّ والعدل؟ وكيف صار الذبيح بأرض كربلاء نوراً لا ينطفئ لكلّ متطلّع باحث عن الكرامة التي خصّ بها سبحانه وتعالى؟ والسيرة العطرة لحياة سيد شباب أهل الجنّة واستشهاده الذي لم يسجّل التاريخ شبيهاً له كانا عنواناً صريحاً لقيمة الثبات على المبدأ.
أحد القساوسة قال : لو كان الحسين لنا لرفعنا له في كلّ بلدٍ بيرقاً ولنصبنا له في كلّ قرية مِنبراً ولدعونا الناس إلى المسيحية باسم الحسين(٢).
____________________
الحسن عليهالسلام فخطب معاوية أهل الكوفة فقال : يا أهل الكوفة أتروْني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحجّ وقد علمت أنّكم تصلُّون وتزكّون وتحجّون؟ ولكنّني قاتلتكم لأتأمّر عليكم وعلى رقابِكم ... وكلّ شرط شرطته ـ أي للحسن عليهالسلام ـ فتحت قدميَّ هاتين. شرح نهج البلاغة : ج ١٦ ص ١٤ ؛ ترجمة الحسن بن علي عليهالسلام.
(١) سورة آل عمران : الآية ١٥٢.
(٢) الحسين في الفكر المسيحي : ص ٢٤.