هو من الأنبياء فسوف يردّ الهدية ، ولا يرضى إلاّ بدخولهم في طاعته ، والنبي لا طاقة للملكة في مقابلته ، ولذا صمّمت على إرسال الهدية له (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّة فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) (١).
ولكن عندما علمت أنّه لم يقبل الهدية حيث كان الجواب : (فَمَا آتَانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ * ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُود لاَّ قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ) (٢) وهنا علمت بلقيس إنّ هذا الذي يدعوها للدخول في طاعته وقبول رسالته هو نبيّ من أنبياء الله ، وهي وقومها لاطاقة لهم في مقابلة النبيّ ، فصمّمت على الارتحال إلى سليمان وقالت : (إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيَْمانَ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (٣) فاعترفت بالخطأ الذي كانت عليه وأقرّت بالإيمان بكلّ شجاعة.
فالقرآن حينما يسجّل لنا هذه التجربة الإنسانية ، يريد أن يوضّح لنا موقفه من المرأة التي كانت حكيمة وعالمة ، وحيث لم يقابل هذه التجربة بالنقد والتجريح نفهم أن القرآن الكريم يُجيز للمرأة أن تكون قائدة لاُمّة إذا كانت عالمة وقادرة على قيادة هذه الاُمة بالتدبّر والتفكّر والحكمة والعلم.
إلى هنا تبيّن لنا أنّ المرأة تتمكّن أن تواجه الضغط العائلي كما واجهته آسية زوجة فرعون في صمودها على إيمانها وعبادتها ، وتتمكّن أن تواجه الضغط الاجتماعي كذلك كما واجهته مريم بنت عمران وآمنت بالله وعبدته رغم انحراف مجتمعها عن الحقّ والعدل ، وتتمكّن أن تكون صاحبة عقل وفكر وحكمة وعلم كما في بلقيس.
__________________
(١) النمل : ٣٥.
(٢) النمل : ٣٦ ـ ٣٧.
(٣) النمل : ٤٤.