فالمرأة إذن يمكن أن تكون مثالاً للالتزام والتديّن بما تعتقد به ، ومثالاً للحكمة والعلم والسموّ العقلي ، فهي متكاملة وليست ناقصةً متدنيةً عن الرجال كما يريد أن يصوّرها لنا الآخرون.
قد يقال : إنّ ما ذكره القرآن في قصة آسية زوجة فرعون ومريم بنت عمران وبلقيس ، لا يمكن أن يكون هو القاعدة وهو الفطرة في صنف النساء ، بل هذه النساء استثنيت من النساء نتيجة الاصطفاء الإلهي ، فلايمكن أن يقاس عليها غيرها من النساء.
الجواب : إنّ هذه النساء التي تقدّم الكلام عنها ، وكذا بقية النساء التي لها الأثر في تاريخ مسيرة النبوّة الخاتمة نبوّة نبينا محمّد صلىاللهعليهوآله كخديجة وفاطمة وغيرهما من النساء البارزات والمميّزات ، لم يرد النصّ بالاصطفاء في أيّهم سوى السيّدة مريم (أم عيسى).
واصطفاء السيّدة مريم لم يكن بمعنى تمييزها عن سائر النساء بمواهب وكفاءات تماثل فيها الرجال ، وتفوق بها النساء ، بل الاصطفاء هنا بمعنى آخر ، إذ قالت الآية الكريمة : (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ) (١).
وقد ذكر المفسّرون أنّ المراد من الاصطفاء الأوّل في الآية : هو تفريغها للعبادة والخدمة في الهيكل ، بعد استثنائها من الحظر المفروض على النساء في هذا الشأن ، وذلك استجابة لنذر أُمّها بتحرير حملها للعبادة المحكي في قوله تعالى : (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي) (٢).
__________________
(١) آل عمران : ٤٢.
(٢) آل عمران : ٣٥.