والاصطفاء الثاني : هو اختيارها لولادة عيسى عليهالسلام الإعجازية.
فالاصطفاء الأوّل : هو استجابة لدعاء وعوناً على التقوى لإعدادها لموضوع الاصطفاء الثاني ، وهو الحمل الإعجازي.
إذن السيّدة مريم لا تتميّز عن سائر النساء في سائر حالاتها وشؤونها الإنسانية ، فالمرأة بحسب إنسانيّتها وخلقتها الأصليّة قابلة لتولّي المهام في الحياة العامة كالرجل ، فهي كاملة وليست ناقصة ومتدنية عن الرجال في الأعمال العامة إذا سنحت لها الفرصة والتربية والتمرين على ذلك.
نعم ، هناك اصطفاء عام للرجال والنساء ذكره القرآن في موارد ثلاثة :
١ ـ قال تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) (١).
٢ ـ قال تعالى : (قُلِ الْحَمْدُ للهِ وَسَلاَمٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى) (٢)
٣ ـ قال تعالى : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) (٣)
وهذه الآية الثالثة تصرّح بأنّ الاصطفاء لا يعني حتميّة التمييز ; لأنّ في هؤلاء المصطفين من لم يعمل بالكتاب وانحرف عن نهج الله.
إذن سيكون معنى الاصطفاء هو الاختيار للمهمة والمعونة عليها ، ولكنّ الأمر في انجاز المهمة متروك لإرادة الإنسان واختياره ، فلايكون الاصطفاء بمعنى التغيير في حالات النساء والشؤون الإنسانية.
ملاحظة : إنّ الهدف من القصص في القرآن هو التعليم بذكر القدوة العملية في
__________________
(١) آل عمران : ٣٣.
(٢) النمل : ٥٩.
(٣) فاطر : ٣٢.