بان هؤلاء الجنود المشاغبين كانوا قد استحوذوا في عاصمة الامبراطورية نفسها على سلطة واسعة الى درجة انهم كانوا لا يطيحون بكبار موظفي الدولة والسلاطين انفسهم فحسب بل انهم لم يكونوا يحجمون عن قتل هؤلاء السلاطين ، فبامكاننا ان نتصور كيف سيكون جموحهم مع حكام اللاقاليم ولا سيما القاصمية البعد كالعراق ، ولكي نتمكن من توضيح الدور الذي لعبه الانكشارية في هذه المنطقة العثمانية لابد من التعوض بشكل مقتضب للحديث عن القوات الانكشارية آنذاك.
ان مؤسس ألـ «يني تشري» أي القوات الجديدة هو السلطان اور خان ابن السلطان عثمان مؤسس السلالة العثمانية وباني القوة العثمانية ، الفها كلياً من الاطفال المسيحيين الذين كانوا يؤخذون من ذويهم صبياناً فيجري تحويلهم إلى الاسلام ويخضعون لتربية عسكرية صارمة. لقد بعد هؤلاء الانكشارية عن وطنهم وفقدوا عقيدتهم وجردوا من أي ارتباطات اذ لم يسمح لهم بالزواج وتكوين اسر فيما بعد ، ولهذا فمن الطبيعي ان يعيشوا كلياً لمهنتهم العسكرية ويخلصوا لثكناتهم. وهكذا فليس هناك ما يدهش في ان تؤلف هذه القوات زهرة الجيش العثماني وان تظل لوقت طويل السبب الرئيس في كون السلاح العثماني سلاحاً لا يقهر. ولكن هذا التنظيم اخذ يفقد طابعه الاول بالتدريج اذ اصبح يقبل في الصفوف الانكشارية ابناء الانكشارية انفسهم في بداية الامر ثم اشخاصاً غرباء بل وجميع الراغبين فيما بعد. وكان الانكشارية في العراق يؤلفون حاميات المدن التي يقود كلاً منها اغا يرسل من اسطنبول مباشرة. وكانوا مخصصين كلياً لحماية المدن بحيث يستطيع الباشوات المحليون ان يستخدموهم ضد العرب والاكراد ولكن بعد اخذ موافقة الباب العالي أو الصدر الاعظم. غير ان الباشوات لم يكونوا يستطيعون اعتقال أو معاقبة المذنبين أو مرتكبي