الجرائم من الانكشارية لان هؤلاء لم يكونوا مسؤولين الا امام قائدهم فقط. وبفضل هذا التحديد سلطة الباشوات تجاه الانكشارية وخروج هؤلاء خروجاً تاماً من صلاحيات حكام العراق لم يكن الانكشارية لوحدهم بمنأى عن العقاب بل كان جميع من سجل نفسه في صفوفهم ممن يهدده القصاص القانوني يتجنب التحقيق معه ومحاكمته بهذه الوسيلة. ولم يكن التسجيل في صفوف الانكشارية يلزم الراغب في ذلك بتحمل اعباء الخدمة العسكرية وانما كان لكل من يدخل في القائمة الحربية في ان يزاول اعماله الاعتيادية وليس عليه الا ان يدفع ضريبة سنوية خاصة مقابل الحق في استخدام اسم انكشاري. واذا ما كان رجال الاعمال الذين لا يتصفون النزاهة النصابون يسعون للانضمام إلى الانكشارية لتجنب الملاحقة القضائية فان المواطنين المسلمين ولا سيما الموسرين منهم كانوا ينضمون إلى صفوف هذه القوات لكي يضمنوا الامن لانفسهم وممتلكاتهم ذلك ان الانكشارية لم يكونوا يتورعون عن التطاول على الاثرياء والوجهاء غير المنضمين إلى صفوفهم واستخدام العنف ضدهم (١). وهكذا كان سكان المدن بكليتهم تقريباً مسجلين لهذه الاعتبارات أو تلك في صفوف الانكشارية وكان هؤلاء بفضل ذلك يمتلكون تأثيراً استثنائياً على سير الاحداث المحلية ويخضعون بدورهم لتأثير الاحزاب والاتجاهات المحلية. ولهذا لم يكن بمقدور الولاة ان يفعلوا شيئاً للانكشارية لانهم لم يكونوا اكثر من ادوات طبيعة في ايدي هؤلاء الجنود المشاغبين الجامحين. وكان عدد الانكشارية الحقيقيين في العراق يزيد على ١٥ الف شخص ، ما يقرب
__________________
(١) L Niebuhr. Reisberchreibunh nach Arabien und andern umliegenden T. II, Landern (kopenhag S. en, ١٧٧٨), S. ٢١٦ - ٢١٧.