باخلاصه وهو امر لم يعق ذلك الحاكم عن الاحتفاظ للدولة العثمانية بالعراق. لقد كان نادر شاه يقدر تمام التقدير بان العقبة الرئيسة في استيلائه على باشوية بغداد هو احمد باشا المعروف بصداقته له وهذا ما دفع نادر شاه إلى ان يصرح علناً بان الباشا دبلوماسي حاذق لم يستطع خداع السلطان فحسب بل خدعه هو ايضاً (١). ومما يشهد على مهارة احمد باشا ايضاً انه استطاع ان يحول إلى بغداد جميع التجارة بين الهند واوروبا وهي تجارة مربحة كان جزؤها الرئيس يمر حتى ذلك الوقت عبر فارس ، فقد استغل باشا بغداد افلاس الدولة الفارسية نتيجة لحروب نادر شاه التي لاتنتهي فاستطاع بالتشجيع والامتيازات الاستثنائية ان يجذب إلى العراق جميع الوسطاء الرئيسيين للتجارة المشار اليها ابتداءً من الارمن وانتهاءً بالانجليز. ولكن احمد باشا باسناده لهؤلاء باعتبارهم الممثلين الاساسيين لتجارة الهند لم يتخل عن تعاطفه مع الفرنسيين الذين كان لهم عن طريق سفارتهم في اسطنبول نفوذ كبير لدى الباب العالي. وهكذا كان هو اول من سمح للكرمليين في بغداد ببناء مصلى لهم جرى تكريسه باحتفال مهيب في ١٤ تموز ١٧٣١ م. والى جانب ذلك لم ينس الباشا ضرورة ترسيخ وضعه الخاص فاظهر كرماً بلا حدود تجاه اتباعه ومستخدميه فشجع بذلك فيهم الاخلاص الاعمى الذي لا يعرف التردد له ولقضيته (٢). ان السياسة الحاذقة التي انتهجها احمد باشا تجاه السلطان والشاه وكذلك الجذور التي استطاع ان يمدها عميقاً في العراق نفسه لم يساعده على الاحتفاظ بمنصبه حتى مماته فحسب ، بل مكنته ايضاً من الاحتفاظ برأسه فوق كتفيه رغم جميع دسائس ومؤامرات اعدائه الذين لا يحصيهم عدد. لقد اطلق هؤلاء
__________________
(١) Otter, OP. Cit. T. II. P. ١٨٤.
(٢) Hanway, OP. Cit. II, Abt. VS. ٣٧٦.