من الكوارث الطبيعية مما جعل من المستحيل ابداً اية مقاومة. فالطاعون الذي تفشى في فارس اتجه نحو بغداد تدريجياً فظهرت اولى حالاته في الحي الاوربي من المدينة في تشرين الثاني ١٨٣٠. وقد اخفى الناس. كما هي العادة في الشرق ، ظهور المرض في أول الامر ولم يتخذوا ضده اية تدابير إلى ان تفشى هذا «الموت الاسود» بدرجة أصبح من الصعب معها نجاح أي مكافحة له وحتى داود باشا نفسه أرتاب بالحاح مقيم شركة الهند الشرقية في بغداد الذي دأب ومنذ اقتراب المرض من بغداد على أقناع الباشا باقامة الحجر الصحي واتخاذ تدابير واقعية اخرى لمنع انتقال المرض إلى المدينة (١). وهكذا انتشر الوباء ابتداءاً من شهر اذار ١٨٣١ في كل مكان وكان يؤدي إلى وفاة ما بين ١٠٠٠ و ١٨٠٠ شخص في اليوم بحيث لم يبق في المدينة قماش يكفي للاكفان كما لم يعد يوجد فيها من يقوم بدفن الموتى الذين تناثرت جثثهم المتعفنة في الشوارع تأكلها الكلاب الجائعة. وفي الوقت الذي اخذ قسم من سكان المدينة المسلمين يترك المدينة على عجل فينقلون العدوى معهم إلى العراق باجمعه ظل القسم الاخر من السكان ينتظر الموت في استسلام وديع للقدر. اما المسيحيون من السكان فقد اغلقوا البيوت على انفسهم وحاولوا تجنب الاتصال بالعالم الخارجي قدر الامكان فكانوا يطهرون الاشياء التي يتسلمونها من الخارج عن طريق تدخينها أو بوسائل اخرى. ولم تحقق هذه الاجراءات الوقائية الهدف منها إلاً جزئياً لان القطط والفئران والجرذان كانت تنقل العدوى من بيت إلى اخر بحيث لم تلبث الوفيات في الحي المسيحي ان بلغت حد لا يقل عن بقية انحاء المدينة ، حتى ان المرض ظهر
__________________
(١) Ritter, OP. Cit. T. VII Abt. II, s. ٨٣٢.