في محل المقيم نفسه فبادر إلى السفر إلى البصرة واخذ معه في يخته الجزء الاغلب من الاوربيين (١).
وهكذا لم تلبث بغداد ان تحولت إلى واحدة من البؤر الملتهبة لهذا الموت الاسود الذي كان سيقضي - على كل ما هو حي في المدينة. فقد تضاعفت نسبة الوفايات ابتداءً من بداية نيسان حتى ان الموت لم يوفر قصر داود باشا الباذخ نفسه حيث ذهب المرض بالقوة العسكرية الرهيبة التي كان الباشا يستند عليها بحيث لم يبق من الحرس الجورجيين الذين كان عددهم الف شخص على قيد الحياة الا اربعة فقط كما لم يبق من الخيالة المحلية الذين دربهم العقيد تالير على نمط السيبوي وكان عددهم الفاً ايضاً الا واحد فقط (٢). اما خدم القصر الذين لم يكن يحصيهم عدد فلم يبق منهم الا سائس واحد. وعندما صمم داود باشا على مغادرة القصر لم يجد من يقوم له بالتجذيف حتى يعبر دجلة فاضطر إلى البقاء في قصره الخاوي ، رغم ارادته .. ولم يلبث الطاعون ان اصاب داود باشا نفسه وعندما استدعى الطبيب العسكري الايطالي انطوني الذي كان يخدم في الدولة العثمانية لعياده وجده ، وهو الذي كان بالامس حاكم العراق القوي ، مرمياً يواجه مصيره وحيداً في مستودع مظلم وقد اضطجع يصارع المرض على الواح خشبية عارية (٣).
ولكي تتم المأساة فاض نهر دجلة في نهاية نيسان وحطم السداد وتسربت المياه إلى المدينة فغطت الاجزاء الواطئة منها وجرفت الابنية
__________________
(١) Fraser, OP. Cit. vol. I P. ٢٣٤ FF.
(٢) Ibid P. ٢٦١.
(٣) تشيريكوف ، المصدر السابق ص ١٠.