ولهذا فليس هناك ما يدهش في ان ينجح في نهاية الامر مبعوثو ابن الزبير الذين ارسلوا إلى الكوفة والبصرة يدعون لمبايعته خليفة. وفي هذه المرة ايضاً لم يمر الامر في البصرة دون اراقة دماء ، فقد اعلن عرب حامية البصرة عبيد الله بن زياد عامل البصرة الذي كان موجوداً في المدينة عند موت يزيد ، وصياً موقتاً إلى ان يتم اختيار خليفة جديد. ولهذا لم تكن مهمة مبعوث عبد الله بن الزبير تعد باي نجاح اذ لم يتمكن ، باعتباره من بني تميم من ان يجذب إلى صفة ابناء قبيلته الذين كانوا يؤلفون اغلبية سكان البصرة. عند ذلك قرر الوالي عبيد الله ان يستند عل الازد الذين كانوا منهمكين بسبب كونهم من القبائل العربية الجنوبية بمنافسة شديدة مع التميميين الشماليين فاوصل المسألة تدريجياً إلى مذبحة مكشوفة في الشوارع استمرت مع بعض التوقفات ما يقرب من أربعة اشهر ، ولكن الموقف الخطر الذي وقفه الخوارج والشيعة الموجودون هناك اجبر عامل البصرة في نهاية الامر على الهرب إلى الشام تاركا المدينة في قبضة انصار عبد الله الزبير (١) (٢).
ومع ذلك لم ير ابن الزبير الذي بويع خليفة في العراق بان من الضروري اسناد سلطته في هذا البلد المضطرب بالحضور شخصياً اليه واكتفى بان عين واليين له ، في كل من الكوفة والبصرة ظهر انهما ضعيفان ينقصهما الحزم. ولم يلبث غياب السلطة القوية ان اصبح محسوساً فبادر الخوارج إلى استغلال الفرصة السانحة لاستئناف نشاطهم. فبعد ان استطاعوا منذ حملتهم على مكة تثبيت اقدامهم في عربستان بدأوا يشنون
__________________
(١) السالنامة العثمانية الخاصة يولاية البصرة لسنة ١٣٠٩ ه ص ٢١٦ - ٢١٧.
(٢) تولى امر البصرة بعد ابن زياد عبد الله بن نوفل بن الحارث الهاشمي ثم انتزعت منه بعد مدّة بمؤامرة من انصار ابن الزبير. (حميد الدراجي)