بسبب وفاة جميع الاسطوات فلم بعد هناك من يمكنه ان ينقل معارفه للجيل الجديد (١). ولم يكن وضع البصرة بافضل من ذلك فقد امر متسلمها في ذروة الطاعون باغلاق ابواب المدينة منعاً للسكان من الهرب فادى ذلك إلى ان تكون نسبة الوفيات في المدينة اعلى منها في بغداد ، ولذا فلم يبق في البصرة بعد الطاعون من سكانها البالغ عددهم ثمانين الفاً الا عدد يتراوح ما بين خمسة إلى ستة آلاف نسمة (٢). لقد كان الخراب الذي سببه الوباء هنا كبيراً إلى درجة ام المفوض الروسي العقيد تشري كوف - الوسيط في تخطيط الحدود العثمانية - الفارسية ، الذي زار البصرة في ١٨٤٩ أي بعد ثمانية عشر عاماً من انتهاء الوباء - وجد ان كل اربعة من خمسة دور في المدينة مهجوراً وان اغلبية الدكاكين في السوق الجديد الذي بناه داود باشا - الذي كان قد غادر مسرح الاحداث قبل قليل - كانت خالية أو ليس لها اصحاب (٣). ولم تكن الاحوال بافضل من ذلك بل ربما كانت اسوأ في انحاء العراق الاخرى ، فقد اقفر الجزء الاغلب من القرى والمستوطنات واصبحت معدومة السكان. لقد كان الحال كذلك في الحلة مثلاً حيث لم يبق كم سكانها العشرة ألاف على قيد الحياة الا بضعة اشخاص فقط. ولهذا فليس هناك مايدهش مع وجود مثل هذا النقص الهائل في السكان ، في ان تبور الحقول وتهمل البساتين. اما بساتين النخيل فكانت تذوب نتيجة لانعدام العناية فتزيد بذلك من الخراب الاقتصادي الذي هو كبير اصلاً في هذه المنطقة.
__________________
(١) Fraser; OP. Cit. vol. l, p. ٢٥٢.
(٢) Ibid. p. ٢٥٤.
(٣) تشيريكوف ، المصدر السابق ص ٤٩.