لقد كان هذا التداول النقدي الضخم الذي يصل إلى اكثر من عشرين مليون روبل في السنة ، يجري قبل ١٨٩٠ بدون مساعدة أو اسناد من مؤسسة اعتماد تقوم على اسس اوربية ، ذلك ان فرع البنك الشاهنشاهي الفارسي لم يفتتح في بغداد الا في تلك السنة. وقد رسخ هذا البنك فيما بعد في البصرة لكنه اضطره في ١٨٩٣ ـ ١٨٩٤ إلى التخلي عن حقل نشاطه في العراق للبنك العثماني الذي لم يتمكن حتى الان ورغم نشاطه الواسع من القضاء على الصرافين المحليين واغلبهم من يهود بغداد الذين يركزون في ايديهم حتى الان العمليات المالية باجمعها.
والاسباب التي سهلت ازدهار نشاط الصرافين المحليين في السابق ومنافستهم الناجحة للبنك العثماني في القرن الحالي ، هي التنوع الكبير في العمليات الاجنبية المطروحة في سوق المال العراقي من جهة ، ووجود اكثر من سعر للعملة المحلية في آن واحد الامر الذي يربك انجاز العمليات المالية لدرجة كبيرة من جهة اخرى. ولكي نتصور مدى تعقيد الحساب بالعملة الاجنبية يكفي ان نقول بان عالم التجارة مضطر إلى التعامل بالجنيهات الاسترلينية الانجليزية والنابليونات الفرنسية وتاليرات ماريا تيريزا وسندات الاعتماد والعملة الذهبية الروسية والروبيات الفضية الهندية والقرانات الفارسية. ان تحويل جميع هذه العملات الاجنبية إلى العملة المحلية وبالعكس مع وجود عدة اسعار لهذه الاخيرة هو مسألة في غاية التعقيد تفتح امام الصرافين عند انجازها مجالاً واسعار للاثراء على حساب العملاء. ومما يزيد من البلبلة في الحسابات كذلك ان هناك اختلافاً لا يستهان به بين الاسعار في كل من سوق بغداد والبصرة الماليين ، ولهذا ولكي نتجنب الغموض يتحتم علينا ان نبحث كلاً من هذين السوقين بالتفصيل.