طبيعياً للعلويين في تقويض السلطة العباسية ذلك ان كل الاسر التي حكمت فيها كانت تسعى للاستحواذ على العراق الذي يجاورها ومعه عاصمة الخلافة التي لم يؤد الصراع من أجل امتلاكها الا إلى التعجيل بسقو العباسيين.
وقبل ان تظهر اثار سياسة المأمون المواتية للفرس في العراق تمتع هذا القطر حتى عام ٨٣٣م أي إلى توفي الخليفة المذكور بهدوء واستقرار نسبيين. لقد ساعدت حياة السلم هناك على ان تزدهر في البصرة اولاً ومن ثم في بغداد العلوم والاداب الاسلامية وكان ذلك نتيجة لاختلاط وتفاعل شعبين متعارضين في خصائصهما هما العرب والفرس. وقد بلغت البصرة كمركز علمي انذاك شأواً كبيراً من الازدهار بحيث اظهر الاحصاء الذي جرى بامر من المأمون للعلماء والدارسين فيها بان عدد العلماء سبعمائة وعدد الدارسين احد عشر ألفاً. وهناك حكاية تقول بأن المأمون طلب من علماء البصرة ان يرسلوا إلى مكتبة «دار الحكمة» التي كان قد أسسها في بغداد نسخة واحدة من كل مؤلف لهم في فروع المعرفة المختلفة وقد بلغت الكتب التي ارسلت إلى بغداد حملة ثلاث سفن (١).
لقد كان للتأثير الفارسي الذي اشتد في عهد العباسيين اثره في الجانب الديني ايضاً ، فقد كانت الحياة الدينية في عهد الامويين تتوزع على اتجاهين ينظر اصحاب الاول منهما إلى القرآن على انه كلام الله موجود منذ الازل ولهذا فانه لا يتعرض لا إلى تغييرات اعتباطية ولا إلى تفسيرات باطلة. اما اصحاب الاتجاه الثاني فكانوا يعتقدون بخلق القرآن ولهذا فأنهم كانوا يرون بان من الممكن استخدام العقل لتوضيح بعض المواضع
__________________
(١) السالنامة العثمانية الخاصة بولاية البصرة لسنة ١٣٠٩ ه ص ٢٣٨ ـ ٢٣٩.