وتطوير التجارة وبعث العلوم وكان من نتائجه ان بعث العراق مجدداً لبعض الوقت وانتعشت فيه مرة اخرى الحياة الزاخرة بالعمل. ولم يقتصر اهتمام نظام الملك على تحسين الاحوال المالية واعادة الهدوء إلى البلاد في الداخل وحفظ الامن في طرق المواصلات بل وجه اهتمامه ايضاً وبدرجة لاتقل عن ذلك لا نشاء طرق جديدة وتعمير القنوات القديمة وبناء الاسواق والخانات والقوافل وما اشبه ذلك. وأنشأ في بغداد والبصرة مدارس عليا خاصة سميت بـ «النظامية» ، تيمناً بأسمه ، بالاضافة إلى المراصد والمساجد والمستشفيات. وقد ظلت تلك المدارس المصدر الرئيس للعلم في جميع انحاء الدولة السلجوقية المترامية الاطراف حتى الغزو المغولي.
مات ملك شاه بعد قليل من قتله لوزيره الممتاز بدسيسة من زوجته توركان خاتون. وقد اعاد غياب السلطان القوي الهمام ووزيره النشط المتنور عن المسرح في وقت واحد الممتلكات السلجوقية كلها وعلى الاخص العراق إلى الفوضى والبلبلة التي كانت تعاني منها في السابق. فلقد سعى خلفاء ملك شاه ابتداء من اولاده لاعادة صورة الحكم البويهي بكل تفاصيلها بنزاعاتهم الداخلية المتواصلة وصراعهم من اجل السلطة. وقد اتسعت الفتنة في هذا المرة اكثر بسبب تدخل الاتابكة وهم العبيد الذين كانت غالبيهم تجلب من قفجاق حيث تجري تربيتهم في بلاط الحكام السلاجقة سوية مع ابنائهم لكي يصبحوا فيما بعد اوصياء على صغار السن من ورثة أترابهم السابقين فيحيكون الدسائس بالاشتراك مع امهات اولئك الورثة لصلح هؤلاء الورثة الذين قاموا هم بتربيتهم (١).
__________________
(١) Malcolm, Op. Cit. T. II, P. ٨١ FF