تراجعت القوات الفارسية في اشتباكات حامية مع جحافل المسلمين إلى ان انتهت في عام ٦٣٧ م المعركة التي دارت في القادسية بالقرب من الحيرة على بعد عشرة أميال إلى الجنوب من اطلال بابل ، بنصر حاسم للعرب (١) لقد تقرر مصير العراق وانتقل نهائياً إلى سلطة المسلمين بعد ان انقذ يزدجرد ، اخر حكام السلالة الساسانية ، نفسه بالهرب إلى جبال ميديا وفتح العرب طيسفون التي كانت قد تركت لمصيرها واقاموا فيها مسجداً علامة على استقرارهم في القطر نهائياً. ثم تدفق بعد ذلك موجة الفتوحات العربية على فارس نفسها التي انتقلت بالتدريج إلى الاسلام الظافر بعد ان خسر الفرس في عام ٦٤٢ م معركة نهائية الحاسمة التي وقعت إلى الجنوب من همدان.
وفي الوقت نفسه اتخذ الخليفة عمر اجراءات فعالة في العراق لتوطيد سلطة العرب في المنطقة ، فالبصرة التي كانت بعيدة نوعاً ما عن مركز المنطقة المفتوحة كان عليها ان تتخلى عن مكان الصدارة للعسكر الحربي الجديد الذي اقيم في عام ٦٣٨ م بالقرب من النجف الحالية ونعني الكوفة التي نقل اليها المقر الرئيسي (٢). وهكذا لم يبق للبصرة الا اهمية كونها نقطة الارتكاز لجميع التدابير والاعمال العربية الموجهة ضد جنوب فارس وحصناً ضد الهجمات المعادية من جانب هذه الاخيرة.
وعلى الرغم من هذا التضاؤل في اهمية البصرة فأنها أخذت تتحول بسرعة من مجرد معسكر حربي إلى مدينة آهلة كثيرة السكان. وقد ساعد على ذلك بشكل خاص التجار والحرفيون الفرس الذين أخذوا بتوافدون
__________________
(١) J.malcolm,Histoire de la perse tr:de I am glais T.Iparis,١٨٢١), p.٢٥٨ ff.
(٢) K.Rittor,Die Erdkunde von Asien T.VII,Abt. II,(Berlin,١٨٤٤), S.٩٢٦.